مظلومًا- ومن الدعوة إلى الفجور والفواحش, ومن التعالي والبغي على الناس بغير الحق, ومن تقديس رءوس الكفر واحترامهم, وعدم وجود العزَّة والأنفة التي يتميّز بها المسلم أمام أعداء الإسلام من اليهود والنصارى, حتى أصبح راضيًا مطمئنًا بأن يتولّى عليه من لا يساوي شراك نعله من ضلال اليهود والنصارى وغيرهم من كبار الفساق؛ لأنَّ شريعة القومية توجب ذلك لأنَّ العروبة حين تجمع بين هؤلاء جميعًا لا يبقى أيّ مزية للمسلم على الآخرين, وهذا المفهوم منطقي مع استبدال الدين بالقومية.
ألم يعلم الأشرار دعاة القومية أنّ المسلمين كانت لهم بالإسلام عزة طأطأ الجبابرة لها جباههم ذلًّا وانكسارًا, وملكوا بها الشرق والغرب, ودخل الناس في الإسلام أفواجًا راهبين وراغبين, فاغتبطوا به وفازوا في الدنيا والآخرة, وأصبح المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسَّهَر والحمَّى, وكانوا قلبًا واحدًا, هدفهم واحد, وتفكيرهم واحد, وعبادتهم واحدة, نشروا الإسلام رغبةً في الأجر العظيم من الله لا حبًّا في التملُّك ولا رغبة في السيطرة, حتى أدوا ما أوجبه الله عليهم من نشر دينه وقمع الفساد والمفسدين.
وإذا كنا ننكر الدعوة إلى القوميات عمومًا والقومية العربية بخصوصها, فما ذاك إلّا من شدة الحرص على أن لا تفوت البقية الباقية من عز العرب المسلمين, وليس تجاهلًا لفضل العرب والعربية, وليس ما نذكره هنا في فضل العرب بمبرِّر للافتخار به على طريقة القومية الجاهلية, وإنما هو تبيان للحقيقة.