فالعرب هم أول من أبلوا في سبيل الله: جاهدوا بأموالهم وأنفسهم, وأسدوا إلى البشرية عامَّة ما صلح به أمر دينهم ودنياهم, ولا ننسى كذلك أفذاذًا من غير العرب كانوا إلى جانب الرعيل الأوّل من المهاجرين والأنصار, وقد اختار الله -عز وجل- نبيه من العرب, وأرسله ورحمة للعالمين, وفضَّله على جميع البشر, كما أنَّ الأماكن التي كان ينزل وحي الله فيها لا شكّ أنها محطّ الأنظار ومهوى الأفئدة.
وقد شرَّف الله اللغة العربية وكرَّمها بنزول القرآن بها, وهو معجزة المسلمين الخالدة, كما لا ننسى ما امتاز به العرب من صفات حميدة سجَّلها لهم التاريخ من الوفاء والكرم وحفظ حقوق الجار والشجاعة والفصاحة, وغير ذلك من الصفات, ولكن يجب أن نتفطَّن لأمر مهم جدًّا وهو أنَّ العربية والعرب ما كانوا شيئًا يذكر لولا الإسلام, فالعربية هي إحدى اللغات في هذه الأرض, والعرب هم أحد الأجناس من هذه الأمم, فلا مزيَّة لهم إلّا بالدين الإسلامي, ولنا أن نسأل الذين يتشدقون بأمجاد العرب قبل الإسلام ما هي, ألم يعترف فضلاء الصحابة بأنَّهم كانوا جهالًَا وفقراء وقاتلين قبل الإسلام, وأن الله رفعهم بالإسلام وأعزّهم به.
والآن تريد القومية العربية إرجاع العرب إلى حالتهم تلك السابقة, إبعادهم عن دينهم ومصدر مجدهم الحقيقي, فأي جريمة سيرتكبونها بحقّ العرب وسائر المسلمين لو تَمَّ لدعاة القومية ما يهدفون إليه, وليت تلك الدعوات إلى القومية الجوفاء كانت دعوة موجَّهة إلى لَمِّ شَعْثِ