بعضهم على بعض بحكم شريعة القومية, وحينئذ يكونوا لقمة سائغة لليهود؛ لينفردوا بمن يشاءون منهم حتى يكتمل الدور عليهم جميعًا, وقد ظهر هذا واضحًا في مكائدهم الكثيرة بالشعوب حكامًا ومحكومين, وما فعلوه تجاه الدولة العثمانية بالخصوص حين عملوا على تشجيع قيام القوميات والنعرات الجاهلية أقوى مثال, ووصل الأمر حتَّى إلى قصور الخلفاء أنفسهم في آخر دولتهم, فنسي الكثير منهم أن عزَّتهم إنما هي بالإسلام والتعصُّب له, فاستخذوا أمام الضغوط اليهودية والنصرانية في كثير من المواقف بسبب تأثرهم بمختلف التيارات من ناحية, ومن ناحية أخرى لخذلان المسلمين لهم.
وقد أقامت اليهودية العالمية روافد عدة لإحياء القوميات في النفوس؛ من ماسونية وعلمانية وجمعيات أخرى, وثورات عارمة للشعوب ضد حكامها, ودعاوي الحرية والإخاء والمساواة, وغيرها من الشعارات, فكانت أكبر كارثة حلَّت بالمسلمين هي سقوط الدولة العثمانية بمؤمرات اليهود؛ حينما ركن إليهم سلاطين هذه الدولة, فكانوا كالذي يفقأ عينه بيده في سماحتهم وتساهلهم ضد أهداف اليهود ومطالبهم المتتابعة, وما يتبع ذلك من استفحال العلمانية جنبًا إلى جنب, مع نعرات القومية التركية التي كان يذكي نارها جمعية الاتحاد والترقي التركية اليهودية الماسونية المعتقد, أو كما يسمونها "تركيا الفتاة".
وكل هؤلاء أخذوا يرجعون إلى الوراء بصورة حثيثة لجعل القومية الطورانية هي كل الأمجاد والمعتقدات عليها يلتقون, وعليها يتفرقون, مدَّعين أن الإسلام هو الذي أخفت صوتها وحضارتها.