للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بحرارة عندما يتلاعبون بالمواعيد, وبين تلك المواعيد واللقاءات المتكرِّرة والمجاملات يسري في عروق الوطنيين ما يسري من الغزو المنظَّم والانبهار بما عند أعداء الإسلام مما مكَّنهم الله به من العلم بظاهر الحياة الدنيا وزينتها, فتقوم صداقات تنمو شيئًا فشيئًا بين الوطنيين ممن يزعمون الإسلام وبين أعداء الإسلام, بعد أن أُبْعِد الدين ومبادئه في الجهاد عن الساحة وحلّت محله الشعارات الخادعة من القومية والوطنية والإنسانية والتقدمية و ... إلى آخره. وما دام الوطنيون لا يغضبون لله تعالى ولا لدينهم, فبإمكان أعداء دينهم أن يقولوا لهم: لماذا تغضبون؟ ألأجل الاستقلال؟ سنجود به عليكم, بل وستكونون أنتم خلفنا على شعوبكم, وسيقبل الوطنيون بكل بساطة, بخلاف ما لو كان التعصب للدين.

ولهذا فمن الواضح أن دعاة الوطنية وقد أُشْرِبُوا حبها بدلًا عن الدين, وتقديسها بدلًا عن تعاليم الإسلام, من الواضح أن هؤلاء غنيمة أعدائهم؛ حيث يرتمون في أحضناهم للاستعانة بهم والركون إليهم في كل شيء سيواجههم, حتى ولو كان ذلك ضد أبناء وطنهم الذين يفطنون لما يبيته لهم الوطنيون عبَّاد الكراسي والشهوات, وكانت قيادة دعاة الوطنية لشعوبهم كقيادة فرعون الذي قال لأبناء وطنه: "ما أريكم إلّا ما أرى". قادوهم إلى جعل الوطن هو المقدَّس أولًا وأخيرًا, وإلى التعلُّق بأذيال أهل الشرق الشيوعي أو الغرب النصراني, وأماتوا شخصية شعوبهم الإسلامية التي تبعث فيهم النخوة والشهامة والاعتزاز بالإسلام, ومعلوم من هذا الكلام أنَّني لا أقصد به ذمّ الذين جمعوا بين حب الوطن وحب دينهم وتواضعوا للناس, وإنما أقصد أولئك الذين باعوا أنفسهم وأوطانهم ودينهم بثمن بخس, وفضلوا المبادئ والنظريات الكافرة, وازدروا الدين الحقِّ وسموه رجعية وتخلفًا.

<<  <   >  >>