وعليه يموت وعليه يوالي وعليه يعادي وبه يفاخر, وإياه يقدس إلى حدّ أن الأوطان أصبحت وكأنها أوثان تعبد من دون الله تعالى, وكل صاحب وطن يدَّعي أن وطنه هو أفضل الأوطان, وتربته أفضل تربة, وأنه وطن معطاء يكفي من تمسك بحبه كل مكروه, ويفتخر برجاله وبعطائهم اللامحدود -هكذا- في المقابل لا بُدَّ أن يحتقر البلدان الأخرى وجهود الرجال الآخرين من بلدان المسلمين ورجالاته في ردِّ فعل سواء شعر بذلك أم لم يشعر به.
فلا حرج في دين الوطنية أن يفتخر الشخص برجال وطنه ويقدم حبهم على من سواهم, حتى وإن كان أولئك غير مسلمين, فالوطنية دين الجميع. ومعلوم أن هذه المبالغة لا يقرها الإسلام الذي يدعو أتباعه إلى أن ينصهروا كلهم في بوتقة الإسلام, ويدعو أتباعه لأنْ يكونوا في هذه الأرض كأنَّهم جسم واحد وفي وطن واحد, ويوجب على كل مسلم أن يدافع عن كل شبر من أوطان المسلمين, وأن يغار عليها حتَّى لو أدَّى ذلك إلى قتله, فإنه يكون شهيدًا مقاتلًا في سبيل الله تعالى, فإن مَنْ لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم, وقد ذكر بعض العقلاء أنه من ضيق الأفق تقوقع الإنسان في مكان واحد وصبره فيه على كل ما يصيبه من أنواع المكاره حبًّا لذلك المكان.
قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فيما ينسب إليه:
إني رأيت وقوف الماء يفسده ... إن يجر طاب وإن لم يجر لم يطب
ووطن العاقل هو المكان الذي يتهيئ له فيه عبادة الله تعالى, ويقوم بدينه, ويصون نفسه وعقيدته من الانحراف, آمنًا مطمئنًا على نفسه ودينه وعرضه.