يستحي منها العقلاء على أنَّه لم يقتصر الضرر فقط على ما تقدَّم, وإنما كانت وراء خدعة الوطنية أغراضًا سياسية وثقافية واجتماعية؛ حيث بدت الدعوة للوطن تفرق بين الولاء لله تعالى وبين والولاء لغيره تحت شعار "الدين لله والوطن للجميع", وبالغوا في وجوب حب الوطن وأنه مشاع بين جميع المواطنين حتى السياسية منها, ومن هنا تَمَّت اللعبة على كثير من بلدان المسلمين؛ حيث أصبح المواطن النصراني أو اليهودي أو العلماني أو الشيوعي حتى وإن لم يكن من أهل ذلك البلد في الأساس فإنَّ من حقِّه كمواطن أن يصل إلى أعلى الرتب التي يتمكَّن من خلالها من التحكم في مصائر أهل تلك الشعوب الإسلامية, وهو ما هدف إليه أعداء الإسلام من دعمهم السخي لأولئك الأقليات في تلك البلدان الذين هم في الأساس عملاء لتلك القوي الكفرية العالمية, نجحوا في ذلك وفي نهاية الأمر, وهو نتيجة لتمكن أولئك من السلطة, أصبح هؤلاء ينادون بأن الوطن والعيش فيه هو في الدرجة الأولى لهم, وصاروا ينظرون إلى أهل تلك الأوطان الإسلامية بأنهم غرباء, وأحيانًا يسمُّونهم عملاء, وبالتالي فمن حقهم أن يضطهدوهم, وهو ما تَمَّ في بعض ديار المسلمين التي أصبح الحكم فيها لغير المسلمين, بل وطرد المسلمين وحوربوا, ونُفِّذَ المخطط المعادي للإسلامي بكل دقة, وكأن الشاعر يندب حظهم حينما قال مفتخرًا:
يا ضيفنا لو جئتنا لوجدتنا ... نحن الضيوف وأنت رب المنزل
وبهذا يتضح أن دعوى الوطنية وكذا القومية وكذا الإنسانية والأخوة والمساواة وحرية الكلمة وتقبل الرأي والرأي الآخر ما هي إلّا لعب سياسة ماكرة ودعوات يراد من ورائها مكاسب سياسية وعقدية. وفي لبنان