للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبزوغ فجر الإسلام فيهما, ومن ظنَّ أن هذا الاحترام والتقدير إنما هو لترابهما فهو جاهل, فقد كانت المدينة تسمَّى يثرب, وكان فيها ما ذكره العلماء عنها من أنها أرض وباء وحرة جرداء حتى شرفها الله تعالى بنزول نبيه فيها, ودعاؤه لها بالبركة, وأن ينقل حماها إلى الجحفة, ويبارك في مدها وصاعها, وأن يحببها إليهم كحبّهم مكة أو أشد, إلى غير ذلك من أخبار هذا البلد الطيب, وكذلك مكة فإنها وادٍ غير ذي زرع, شرَّفها الله بالكعبة, ولكن في عرف الوطنية ليست العبرة بالصفات وإنما العبرة بذات الأرض, وأحيانًا تقدس الوطنية الأرض؛ لأن هواءها جميل, وأشجارها باسقة, ونحو ذلك مما ينظر إليه الشخص القصير النظر الضيق الفكر.

وليت شعري ما الفائدة من تقديس الوطنية إذا كانت ثمارها قطع كل صلة للشخص بما وراء وطنه, وبالتالي قطع أواصر المودَّة بين أواطان المسلمين, وأن كون الولاء والبراء قائمًا على الوطنية لا على الأخوة الإسلامية, وأن يغضب الشخص لوطنه أكثر من غضبه لدينه, والتعصب لبني وطنه وتقديسهم سواء كانوا قبل الإسلام أو بعده مقدمًا لهم على أواصر الأخوة في الدين؛ بحيث يجب أن يحب الملحد الوطني على الصالح من غير وطنه حسب شريعة الوطنية, أليست هذه معاول هدم تفرّق ولا تجمع؟ وتشتت المسلمين وتضعفهم؟

<<  <   >  >>