تمامًا أن هذه الافتراضات إنما هي أكاذيب وخيالات، فإن أمر الحفاظ على العفَّة وسائر القيم أمر فطري في الإنسان وفي سائر الحيوانات التي لا تهتم بالأمور الاقتصادية, فنرى ذكر الحيوان يغار على أنثاه ويدافع عنها, وترى الأنثى تحترم الذكر وتعطف على أولادها, سواء أكانت تملك قوتها أو لا تملكه، وقد أخبر الله -عز وجل- عن وجود هذه الأمور في نفوس الناس منذ أن أوجدهم, ولهذا لا يمكن أن تجد امرأة مستغنية عن الرجل مهما كان مالها, ولا الرجل كذلك يستطيع أن يستغني عن المرأة مهما كان ماله، فطرة الله التي فطر الناس عليها، فالسعادة ليست فقط في وجود المال, بل قد يكون المال مصدر شقاء لصاحبه, ولك أن تسأل ماذا حصل للرجل والمرأة حينما دخلا معترك الحياة, وصار كلٌّ يحتطب لنفسه من المال ما يستطيع الحصول عليه، ومباح لكل منهما أن يعاشر من يريد عن طريق الإباحية الجنسية، أليس كل واحد منهما أحسَّ بأن الحياة في هذا السلوك رخيصة لا تساوي شيئًا, فرجعا إلى رباط الزوجية ليجدا فيه الأنس والراحة النفسية التي فقداها عن طريق الإباحية أو المال؟
وكان أولئك القساة القلوب لم يسمعوا بشكاوى من غرَّتهم المادية وجمع المال, ولا أنين تلك المرأة التي منعت نفسها من الزواج وجمعت المال والشهادات ما أحبت, فما أحسَّت بتجازوها مرحلة الإنجاب بدأت تبكي وتقول للناس: خذوا هذه الشهادة وخذوا أموالي وأعطوني طفلًا يقول لي: يا أمي, أشعر بالأنس إلى جانبه، أزيلوا عني آلامي وما أحس به من وحشة هذا المجتمع الذي لا يرحم ولا يحترم إلا الأقوياء فقط, ولكن أنَّى لأصحاب الأهواء آذانٌ صاغية تسمع أو قلوب تعقل.