للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنهم حين يقفون عند هذا الحد في خلق الكتكوت تفوتهم أمور كثيرة لا يستطعيون الجواب عنها, هي أشد من تكسير البيضة؛ إذ يقال لهم: كيف يظهر هذا القرن؟ ومن الذي منحه هذا القرن الضروري لخلاصه من البيضة؟ فإذا قالوا: إنها الطبيعة، فيمكننا أن نقول لهم: إن هذه الطبيعة التي تقولون بها هي سنة الله تعالى في تكوين خلقه, ولن تجد لسنة الله تبديلًا، وأنها هي الله تعالى الخالق المدبر، فيصبح الخلاف في وجود الله بين المؤمنين والملحدين خلافًا لفظيًّا.

ومهما اكتشف العلماء من اكتشافات، فإنها تبقى في حاجة إلى بيان القوة المؤثرة الخفية فيها الذي حاد عنها الملاحدة {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} ١.

وكلام الله هو الدليل القاطع، فقد أثبت الله تعالى أن الإنسان مهما كابر عقله، فإنه يعلم في قرارة نفسه أن الشيء لا يُوجِدُ نفسه، وأن العدم لا يوجِد الموجودات المشاهدة المنتظمة في أكمل وأدق نظام، والمادة التي جعلت إلهًا في نظرهم هي نفسها مخلوقة مربوطة حتى وإن وصفوها بصفة الإله.

ومن الملفت للنظر أن هذا الإله المختلق -المادة- لا يصفونه بالحكمة ولا القصد ولا التدبير, وهذا ما أكَّده "دارون" و"إنجلز" و"ماركس" ومن سار على منهجهم في زعمهم فوضوية المادة, على أن هذا الإلحاد الذي قرره "دارون"، و"ماركس"، و"إنجلز" لم يكن وليد أفكارهم, وإنما أنشأته ظروف كثيرة قبلهم؛ منها: الحياة الدينية في أوروبا حينما انفصلت


١ سورة النمل، الآية: ١٤.

<<  <   >  >>