للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن كل شيء يشير إلى الدين الصحيح, وحل محله طغيان رجال الدين الكنسي الذي نتج عنه بغض الدين وبغض مصدره, وهو ذلك الإله المنحاز إلى الطبقات الثرية وإلى رجال الدين والحكام, ولا شأن له بالفقراء والمغلوبين على أمرهم.

ومما لا ريب فيه أن هذا المفهوم الباطل للدين والإله أمر لا بُدَّ أن يولد عنه الإلحاد متى اقتنع الشخص بصحته، كما أنَّ استغلال الطبقات القوية للفقيرة وإذلالهم باسم ذلك الإله الذي صوره قوة عاتية إلى جانبهم فقط, يعذب من أغضبهم, ويرضى عن من أرضاهم, من شأنه أن يساعد على نشأة الإلحاد أيضًا.

ومن هنا شعر الجميع بوجوب الهرب من وجه هذا الإله المتّصف بتلك الصفات إلى إله آخر له كل صفات الإله الأوّل, إلّا أنه لا يتعرَّف بالكنيسة ولا يبارك ظلم طغاتها, ولا يلزم الناس تجاهه بأي التزام, وعباده أحرار فيما يصنعون بأنفسهم, لا سلطان لأحد عليهم إلّا الهوى والشهوات, لقد استراح من أراد الهرب من إله الكنيسة إلى الإله الجدي المسمَّى "الطبيعة" ما دام بينهما هذا الفارق الكبير في السلوك, وتفنَّن بعد ذلك هؤلاء الهاربون في إضفاء الصفات على هذا الإله الذي تخيَّلوه وأحبّوه وسموه الطبيعة.

ولكنهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنه إله وهمي متخيَّل لا حقيقة له إلا من خلال أنه ملاذ وجداني أرحم من إله الكنيسة, حتى وإن كان غيبيًّا, وكانوا كلما وقفوا على شيء يدل على الإله العظيم رب العالمين سارعوا إلى تفسيره لصالح هذا الإله المتخيّل مخالفة أن يقعوا مرة أخرى في قبضة رجال الكنيسة

<<  <   >  >>