وصفاته ومعيشته، لقد أرادت النظريات الإلحادية أن تقنع الإنسان عن طريق المادية الجدلية والتفسير المادي للتاريخ أنه من صنع الطبيعة, وأن وجوده ترتَّب أولًا على الماد, وعليها بنى تاريخه، ثم كالوا الشبهات لإقناعه, إلّا أنه لم يقتنع ولن يقتنع, وهو على حق في هذا, فإن الله تعالى إنما أعطى الإنسان العقل لكي يعرف به ربه وخالقه, وقد فطره الله على ذلك, ولكن الملاحدة جعلوا همَّهم الوحيد وشغلهم الشاغل هو نشر الإلحاد وإقصاء الدين بأي ثمن يكون، وبأي شبهة تقال، وبأية وسيلة, المهم في كل ذلك هو إبعاد أذهان الناس عن خالقهم -جل وعلا, وقد تمثلت محاربتهم لله -عز وجل- حتى في التسمية, فإن استبدالهم اسم الله باسم الطبيعة ثم باسم المادة, الغرض منه إضعاف الرباط النفسي اللاشعوري باسم الله في النفس, فلا تحس بعد تسمية الله بالمادة أو الطبيعة أي شوق أو احترام للإله العظيم؛ إذ أن الطبيعة لا تستحق التوقير والاحترام الذي يستحقه الله لو بقي اسمه -جل وعلا.
والواقع أن الملاحدة يهدفون من محاولتهم صرف أذهان الناس عن وجود إله بعد نشر الرذائل بكل صورها، يهدفون إلى استعباد الناس وجعلهم حميرًا يركبونهم ويسوقونهم كما يشاءون؛ لأن الناس حينئذ سيكونون كالبهائهم لا يحسون بأية قيمة لهم, مثلهم مثل سائر الحشرات التي خلقت لتأكل وتشرب وتتناسل ثم تموت، ذلك لأن مصدر التكريم للإنسان هو الله -عز وجل- الذي فضَّله واستخلفه في الأرض وجعله مكرمًا سيد البر والبحر, فإذا تَمَّ إبعاد هذا المفهوم عن الإنسان سهل بعد ذلك أن يتقبل الإهانات بشتَّى أنواعها, بعد أن يفقد آدميته ويرى نفسه بعد ذلك لا فرق بينه وبين الخنازير والكلاب وسائر الحيوانات والحشرات, فتموت فيه الهمَّة والشهامة والأنفة وسائر الصفات الجميلة؛ إذ لا فرق بين البهائم وبين الناس إلّا سموّ الأخلاق, والقيام بالتكاليف الشرعية, والإحساس بأهميته.