للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- تعقيب:

إن المؤمنين بالله تعالى لا يسندون وجود الخلق إلّا إليه وحده, فهو الخلاق العليم الذي بيده ملكوت كل شيء, إذا أراد شيئًا أوجده فورًا بكلمة "كن", وهذه القدرة لا يملكها إلّا هو وحده، وأما الملاحدة الذين يسندون هذه القدرة إلى المادة, وأن المادة تخلق المادة فهو كلام يدل على جهلهم وعنادهم, فإن العقول لا تقبل مثل هذا, حتى عقول الملاحدة لا يمكن أن تقتنع به؛ لأن المادة ذاتها هي أثر من أثار القدرة الإلهية ولا تخلق شيئًا، وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد.

إن إتقان هذا الكون وترتيبه هذا الترتيب العجيب, والإنسان وكيفية خلقه, لا يمكن أن تفعله تلك المادة التي تصوروها, والتي هي باعترافهم لا حكمة ولا تدبير لها.

إنه لمن عجائب الأمور أن يسندوا خلق الكامل إلى الناقص, والقوي إلى الضعيف، المادة صماء ناقصة والإنسان عاقل مفكر, وفاقد الشيء لا يعطيه, فإذا لم يوجد لها عقل ولا تفكير ولا حكمة, فمن أين لها أن توجد في بعض مخلوقاتها هذه الصفات، ومن التحكم الباطل قولهم: إن المادة تطورت مرة واحدة في وقت من الأوقات فأنشأت هذا الكون, فإنه يقال لهم: وما الذي منعها ان تتطور مرة أخرى فتغيّر وجه هذا الكون, وما الذي أوقفها بالنسبة لخلقها الإنسان عن هذا الحد, وعند هذه الصفات المشتركة بين جميع الناس, فإن قانون التطور -على حسب ما قرروه- لا حدَّ له؛ إذ يمكن للإنسان أن يتطوَّر إلى أن يصبح مثل الجبل, فلماذا وقف عند حدٍّ معين في جسمه وعمره

<<  <   >  >>