لا شكَّ أن الواقع الذي انجلت عنه الشيوعية بعد اندحارها يكذِّب كل تلك الدعايات, ويخبر أن الشيوعية إنما نجحت في مساواة الناس كلهم في الفقر والحاجة وليس في الغنى والسعادة؛ لأنه لا يوجد أي حافز يجده الشخص حتى يبذل أقصى جهده في العمل؛ ليجده مستقرًا في يد الدولة التي لا تعطيه إلّا بقدر حاجته الضرورية. وما الذي ينفعه أن يقال له: إن جهدك وعملك حينما يذهب إلى الدولة إنما هو إسهام منك في تقوية الدولة لتتمكَّن من إظهار الشيوعية, ولتقمع أعداءه إن فكروا في الاعتداء عليها، وما الذي نفعه حين يقال له: إنه بذلك الجهد في العمل مع أنك لا تأخذ إلّا ما يكفي حاجتك الضرورية دليل على سلوكك الطيب, وأنك غير جشع كالرأسمالي الغربي, وأنك مواطن طيب، وما الذي تنفعه وعود الملاحدة بأنه سيعيش في جنة عالية بعد أن تتمكَّن الشيوعية من بسط نفوذها على كل الأرض, وكيف تقتنع نفسه بهذه الحالة البائسة التي يعيشها في الوقت الذي يرى فيه وجهاء القوم وأصحاب السلطة يعيشون في تَرَفٍ لا حدَّ له؛ مساكن فاخرة, وسيارات فارهة, وبساتين نضرة, وخدمًا وحشمًا, وهم يتظاهرون بالدفاع عن الطبقة الكادحة وبنضال الرأسمالية.
إن كل ذلك يدعو الشخص إن كان له عقل إلى القلق الاضطراب والثورة على تلك الأوضاع ومجازاة من كان السبب فيها, وهو ما حصل بالفعل في الثورات المتتالية التي تَمَّت في عهد "جورباتشوف" على الشيوعية ونظامها البغيض, وإطاحتهم بأولئك الخبثاء والقضاء عليهم بكل شدة في كل البلدان التي تنفّست الصعداء من الكابوس الماركسي, وهكذا نجد أن زعهمهم المساواة في الأجور إنما هو المساواة في الفقر وليس في الأجور.