للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أموره الأخرى, فلم يبق للماديين ما يتمسكون به لإرجاع الإنسان إلى حفنة المادة المجرَّدة إلّا مجرد العناد والمغالطة الباطلة التي سلبوا فيها الإنسان أعزَّ ما يملك من القيم المثلى, والخصائص التي ميزه الله بها, والتي هي أرفع وأعلى وأعظم من مجرَّد المادة, أنَّ للإنسان قيمًا ثابتة أصيلة, لم يكن الحال الاقتصادي هو المنشئ لها كما زعم الملاحدة, مع ملاحظة تأثير الحال الاقتصادي نسبيًّا, وإنما كان الحال الاقتصادي مسايرًا لها وحافزًا لإشباعها الموجود أصلًا قبل الحاجة إلى المادة، فمثلًا الرغبة الجنسية موجودة في الإنسان, ولم يكن سببها الحال الاقتصادي، وإنما هذا الحال يكون حافزًا للوصول إليها, فيصبح مجموع الأمرين الرغبة ووجود المادة يسيران في طريق واحد تلبيةً لذلك الجانب الهام المسيطر في الإنسان, وهو جانب "النفس" الذي أهمله الملاحدة عمدًا لاقتصارهم على الإيمان بالمحسوس فقط.

فهذه النفس هي الأصل الذي يفسَّر به كل شيء عن الإنسان خيرًا أو شرًّا, هكذا أرادها الله الحكيم الخبير, لها مطالب عديدة, وتتشكل في أشكال مختلفة بتدبير الله تعالى لا بتدبير ذلك الإله الجامد المتمثل في المادة التي يدَّعيها الملاحدة.

ولا يشك عاقل سليم الفطرة أنَّ للإنسان صفات أساسية تحدّد طبيعته الإنسانية, حتى وإن بدا عليه التأثر بالمادة, فإن جوهره الروحي لا يزال فوق المادة وفوق مشابهة الحيوانات البهيمية, مع التفاوت الحاصل بين الناس في هذا الجانب من ناحية التطبيق الفعلي بعد اتفاقهم في الإطار العام للإنسان, والتي تفيد أن الخواصّ الأساسية للجنس البشري لم تتغير منذ

<<  <   >  >>