وجاءت الحركة العلمية التجريبية, فإذا بها تظهر حمق وبطلان تلك المعتقدات الدينية النصرانية, بما لا يجوز الشك فيه, وزادت النار اشتعالًا بين المفكرين وسدنة الكنائس، واتَّسع الخرق على الراقع، ووقع الفأس في الرأس، وهوت خرافات رجال الكنيسة ومعتقداتها إلى الحضيض، وارتفعت رايات العلم والعلماء الملاحدة على أنقاض التدين، وأيّ شيء له علاقة بالدين، وكانت الحرب كلها موجَّهة إلى رجال الدين بالدرجة الأولى، ثم توجَّهت إلى الدين الذي يحميهم ويحمونه أيضًا، إلى أن تَمَّ لِلَّادينيين، إقصاء الدين تمامًا, وإبعاد العلم عنه، بل وأصبح انتساب رجال العلم إلى الدين عيبًا ونقصًا في حقهم, وتقصيرًا في اتجاههم للإله الجديد -العلم ومكتشفاته- الذي سيجدون في ظله ازدهار الاقتصاد, وتمام الحرية, وغير ذلك مما وعد به هذا الإله البديل, غير إله الكنيسة الذي صوَّرته الديانة اليهودية والنصرانية بصورة رجل متردِّدٍ في أموره, يتوجَّس خيفة من تمرُّدِ الإنسان عليه، وبالتالي فهو يعامله معاملة ليست نقية, وليس فيها مودة, ثم اتخذ ابنًا له ليساعده في أموره، ولو رجع القارئ إلى التوارة بعهديها لرأى أوصاف الله تعالى فيهما, وأعماله, وأوامره, وتسرعه في الحكم, وندمه عليه, وحزنه وبكائه, وعدم علمه بالغيب, ومراجعة موسى -عليه السلام له وثنيه عن كثيرٍ مما كان يَهِمُّ بفعله, فيرجع الله عنه ويندم، لو رجع القارئ إلى ذلك, وإلى غيره من الخرافات المدوَّنة في كتابهم المقدَّس؛ لرأي ثورة رجال الفكر عليه أمرًا طبيعيًّا ومنطقيًّا, خصوصًا محاباته رجال الدين وتشجيعه لظلمهم, وتدليله لشعبه بني إسرائيل, كما لاحظه أولئك المفكِّرون من خلال ما وجدوه في الكتاب المقدَّس, وما لمسوه من تصرفات رجال الدين من تطاول وعنجهيَّة، وجاءت