التنوير, وعصر العقلانية, وعبادة الإنسانية التي داستها الكنيسة حينًا من الدهر, بحجة الترفُّع والتقرُّب إلى رضى الله تعالى، فلم يعد تدنيس الأعراض في إباحيةٍ جامحةٍ عارًا، بل هو الطريق السليم؛ لأنَّ الذي يترك هذه المتع واللذائذ الدنيوية التي يعيشها خوفًا من عقاب أخروي, هو شخص خيالي وغير متقدِّم، والذي يطرق برأسه حياءً من سماع الأغاني الفاجرة, أو الشعر الماجن, أو القصص الغرامية, أو الجنس, هو شخص ليس له ذوق ومتأخِّر عن الركب الناشئ، والذي لا يستطيع مشاهدة العري الفاضح؛ سواء في كان الأجهزة أو على الطبيعة, هو شخص متخلف.
وعلى المتحرر أن يستلهم الإبداع الجماليّ والحب والعاطفة الجياشة من الطبيعة التي أبدعت كل ما في هذا الكون من صور الجمال من جامدةٍ ومتحركة، ولا شكَّ أن هذا الانحراف الشائن سببه الأول انحراف الكنيسة، ولم يهتد هؤلاء الهاربون من طاغوت رجال الكنيسة إلى سلَّم النجاة الحقيقي، بل هربوا من طاغوت إلى طاغوت، وبدلًا من توجه هؤلاء الأدباء إلى نقد رجال الين فقط, تمادوا فنفذوا إلى نقد الدين, وحمَّلوه تبعة أفعال رجال الكنيسة وخرافاتهم التي لا يقبلها العقل ولا الفطرة، وتفنَّنوا في حربهم له شعرًا ونثرًا وقصصًا وفكاهات، وفي المقابل نشطت الدعوات الهدامة التي تبحث في أصل الإنسان والكون والإله، وتدلل على أن الإنسان أوجدته الطبيعة، وأن عقله هو إلهه، وتبين أن كثيرًا من أسرار هذا الوجود التي لا ترجع إلى إيجاد إله خاصٍّ لها، وبالتالي, فلا دين ولا أخلاق, ولا شيء يجب أن يحجب الإنسان عن التمتُّع بكل ما يستطيع