الوصف يجب على السؤال: ماذا؟ وكيف؟
وقد ظلَّ وصف اتجاهات النمو هدفًَا سائدًا في هذا الميدان لسنوات طويلة، ولم تتحول البحوث إلّا في الربع الأخير من القرن العشرين إلى الهدف الثاني, وهو تفسير التغيرات السلوكية التي نلاحظها مع تقدم الإنسان في العمر. ومن الأسئلة التفسيرية: لماذا يتخلف الطفل في المشي, أو يكون أكثر طلاقة في الكلام، أو أكثر قدرة على حل المشكلات المعقدة بتقدمه في العمر؟ وإلى أيّ حدٍّ ترجع هذه التغيرات إلى "الفطرة" التي تشمل فيما تشمل الخصائص البيولوجية والعوامل الوراثية ونضج الجهاز العصبي، أو إلى "الخبرة" أي: التعلم واستثارة البيئة؟
والإجابة على مثل هذه الأسئلة تتطلب من الباحث أن يسير في اتجاهين؛ أحدهما: يجيب على السؤال: لماذا تبدأ متوالية سلوكية معينة في الظهور؟ وثانيهما: لماذا تستمر هذه المتوالية السلوكية في النمو؟ وعادة ما تبدأ الإجابة بتقصي الدور النسبي للفطرة "الوراثة", والخبرة "البيئة".
فمثلًا إذا كان الأطفال المتقدمون في الكلام في عمر معين يختلفون وراثيًّا عن المتخلفين نسبيًّا فيه, نستنتج من هذا أن معدل التغير في اليسر اللغوي يعتمد ولو جزئيًّا على الوراثة, أما إذا كشفت البحوث عن أن الأطفال المتقدمين في الكلام يلقون تشجيعًا أكثر على إنجازهم اللغوي, ويمارسون الكلام أكثر من غيرهم, فإننا نستنتج أن التحسن في القدرة اللغوية الحادث مع التقدم في العمر يمكن أن يعزى -جزئيًّا على الأقل- إلى الزيادة في الاستثارة البيئية.
وفي الأغلب نجد أن من الواجب علينا لتفسير ظواهر النمو أن نستخدم المعارف المتراكمة في ميادين كثيرة أخرى من علم النفس وغيره من العلوم؛ مثل: نتائج البحوث في مجالات التعلم والإدراك والدافعية, وعلم النفس الاجتماعي, وسيكولوجية الشخصية, والوراثة, وعلم وظائف الأعضاء "الفسيولوجيا", والأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع.
وإليك بعض الأمثلة على العلاقات بين هذه الموضوعات المتعددة؛ فبعض الخصائص مثل المظهر الجسمي ومعدلات النمو الجسمي والذكاء, وبعض صور الضعف العقلي والمرض العقلي, تتحدد جزئيًّا بالوراثة، ولكي نفهم هذه النواحي فهمًا كاملًا, فإن الأخصائي في سيكولوجية النمو يحتاج إلى بعض المعلومات من علم الوراثة, كما أن التغيرات الجسمية والسلوكية السريعة التي تحدث في فترة المراهقة تتحدد كثيرًا بعمليات فسيولوجية أساسية, منها نشاط الغدد الصماء, والكيمياء الحيوية لجهاز الدم في الجسم، ولبحث هذه الظواهر يجب على علم