بياجيه حياته العملية كلها لمحاولة فهم هذه الاختلافات, ومن ذلك أن الطفل من سن ٣ سنوات يريد دائمًا جذب انتابه أمه, ولا يدرك أن لها أدوارًا كثيرة أخرى بالإضافة إلى دور الأمومة, كما أن الطبيعة "قبل العملياتية لبنيته المعروفة" على حَدِّ تعبير بياجيه, تمنعه من إدراك الناس والأحداث من أكثر من منظور واحد, أما الأم فهي على وعيٍ بأدوارها الكثيرة والمتعارضة أحيانًا, والطفل من سن ٨ سنوات يعتمد في استدلاله على خبرته السابقة, فإذا طلب منه والده مثلًا ألَّا يسير بدراجة في عرض الطريق حتى لا تصدمه سيارة, فإنه يجيب بأنه ركب دراجته في عرض الطرق أمس ولم تقترب منه سيارة واحدة؛ فطبيعة استدلاله التي تعتمد على "العمليات العيانية" -على حد تعبير بياجيه- تمنعه من التحقق من أن الخبرة السابقة بأنه لم تصدمه سيارة بالأمس هو أحد احتمالين ممكنين، والاحتمال الثاني أنه ربما يصدم بسيارة في المستقبل إذا فعل نفس الشيء.
العمليات الأساسية:
يرى بياجيه أن التفكير والسلوك ينشآن من فئة بيولوجية معينة، وهي فئة تمتد وتتسع بسرعة تبعًا لعملية شبيهة بالنمو الحركي، وتتوازى إلى حَدٍّ ما مع النمو البيولوجي أو النضج, ومحور هذه العملية وظيفتان ثابتتان هما: التنظيم organiztion والتكيف "التوافق" Adabtation، وهما خاصيتان فطريتان تقودان النمو السلوكي الكلي للإنسان, وعلى ذلك, فإن كل ما يعرفه الإنسان ويستطيع عمله, ويريد عمله بالفعل في كل مرحلة من مراحل نموه, يميل إلى أن يكون على درجة كبيرة من التنظيم والتكامل, وهكذا يدل التنظيم على البناء المعرفي القائم لدى الفرد, ويتألف من وحدات معرفية مترابطة متكاملة, بالإضافة إلى أن ما يتعلمه الفرد "أي يصير قادرًا على عمله" يرجع في جوهره إلى التكيف مع الظروف البيئية, والتكيف هو التعبير البنائي أو الوظيفي الذي يحقق للكائن العضوي بقاؤه، وهكذا يربط بياجيه ربطًا وثيقًا بين العمليات النفسية والبيولوجية.
ويتضمن التكيف السلوكي للفرد ما يسمى التوازن الذي يعد الأساس الجوهري لنمو الفرد، ويشمل وظيفتين فرعيتين ومتكاملتين هما: التمثيل assimilation والمواءمة accomodation, والتمثيل هو عملية تلقي المعلومات عن أحداث البيئة وفهمها واستخدامها في نشاط معينٍ موجود بالفعل في ذخيرة الكائن العضوي من الأنشطة، وهذا الفهم والاستخدام لا يحدث إلّا إذا نجح المرء في إحداث التكامل بين الخبرات الجديدة والخبرات السابقة لديه, وهذه العملية ليست محض مطابقة, أو مزاوجة بين نوعي الخبرات, كما أن عملية بناء الحقيقة أو الواقع ليست نسخة