للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طبق الأصل من هذا الواقع؛ فالإنسان يتعامل مع معلومات البيئة على نحوٍ أشبه بطريقة هضم الطعام, فهذه المعلومات شأنها في ذلك شأن الطعام يجب أن تطرأ عليها تحويلات معينة قبل أن تصبح مفيدة, ومن الحقائق البيولوجية والفسيولوجية أن الطعام يتحول من خلال ما يتعرض له من عمليات في مختلف أعضاء الجهاز الهضمي, وبالمثل فإن المعلومات تتعرض لعمليت معينة, أو يتم تمثيلها في بنى معرفية قائمة, ويعكس الناتج النهائي لعملية التمثيل هذه طبيعة المعلومات والبنى المعرفية, وبالطبع فإننا لا نستطيع هضم بعض أنواع الطعام كما لا نستطيع تمثيل بعض أنواع المعلومات في المراحل المختلفة من حياتنا.

والتمثيل ليس إلّا نصف عملية التكيف، أما نصفها الآخر فهو المواءمة التي تعني إضافة أنشطة جديدة إلى ذخيرة الكائن العضوي, أو تعديل أنشطته القائمة استجابةً لظروف البيئة, فنحن نتغير نتيجة للخبرة الجديدة والنضج البيولوجي المستمر، ونتيجة لذلك نتكيف للمواقف الجديدة التي يمكن تمثيلها في بنى معرفية قائمة بالفعل, وذلك بتعديل هذه البنى فينا، أي: بالمواءمة مع هذه الخبرة الجديدة. وعلى الرغم من أن هذه العملية تدريجية في معظم الحالات، إلّا أنها تظهر أحيانًا في بعض الفترات بشكلٍ يؤدي فيها الأثر المستمر للمواءمات المتتابعة إلى إنتاج إعادة تنظيم للبنى المعرفية يتسم بالمفاجأة والجدة النسبيتين, وهذه القفزات تميز الانتقال السريع بين مراحل النمو الكبرى الأربعة في نموذجه؛ فالسلوك في هذه الفترات الانتقالية يبدو إلى حَدٍّ ما غير منظَّم ومبدئيًّا إذا قورن بالسلوك السابق.

فالطفل عند سن ٥ سنوات كان في السابق متأكدًا أنه حين نصب الماء من إناءٍ قصيرٍ واسعٍ إلى إناء طويل ضيق يحصل على كمية أكبر، ويفسر ذلك بأن الإناء الثاني أطول، ولكنه يصبح في سن ٥ سنوات غير متأكد من ذلك, فأحيانًا يقول أن كمية الماء لم تتغير, وفي تفسير إجاباته يذكر كلًّا من الطول والعرض للإناءين، ولكنه فيما يبدو يكون غير قادرٍ على الربط بين البعدين, وهكذا يكون مختلفًا وغير راضٍ عن إجاباته. إنه يشعر إلى حدٍّ ما أن إجاباته القديمة خاطئة, ولكنه غير متأكد لماذا؟ وبعد سنتين تاليتين "في سن ٧ سنوات", حين تعرض عليه المشكلة مرة أخرى تكون إجاباته عندئذ سريعة ومؤكدة "أن الماء هو نفس الكمية؛ لأننا لم نضف إليه شيئًا ولم نأخذ منه شيئًا أيضًا" وهذه الخبرة الانتقالية التي عاناها هذا الطفل هي مثال لمعظم الفترات الانتقالية بين المراحل التي نشعر بها طوال مدى الحياة.

وبعض الأحداث أو سلاسلها تنتج اضطرابات في السلوك أكثر من غيرها, فإذا كان الانتقال يتضمن تغيرات في علاقات قوية, أو أنماط سلوك طويلة الأمد

<<  <   >  >>