للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ينشأ نتيجةً لذلك سلوك غير منتظم, وغالبًا ما يتسم بأنه غير فعّالٍ ومتناقضٍ؛ فأنماط السلوك القديمة لم تعد فعالة, وفي نفس الوقت لم تستقر بعد أنماط السلوك الجديدة لتحل محلها, وبالتدريج تظهر أنماط جديدة من السلوك المنظم والفعَّال والمتسق نسبيًّا.

هاتان الحالتان اللتان تكمل إحداهما الأخرى, هما: الوسيلتان اللتان بهما يتفاعل الكائن العضوي البيولوجي المتزايد النضج مع البيئة الاجتماعية المتغيرة؛ بحيث يتكون من ذلك الشخص السيكولوجي النامي, والنمو السيكولوجي يتضمن عند بياجيه ما ياتي:

١- زياد في الوعي.

٢- تعلم إدراك الذت في علاقتها بالآخرين.

٣- تعلم فهم الأحداث التي تقع في الأبعاد الكانية والزماينة للخبرة.

٤- اكتساب القدرة على التكيف للتغير.

وخلال هذه العملية ينمو الإحسا بالإتقان mastery، أي: الإحساس بكون الإنسان مشارك فعال في مسار نموه وموجِّهٌ له, وعند بياجيه يتميز المستوى النفسي عن كلٍّ من المستوى البيولوجي والاجتماعي, فعلى الرغم من أن كليهما يسهم في النمو النفسي, إلّا أن عملية التفاعل تنتج مستوى من النشاط لا يمكن اختزاله إلى البيولوجيا أو البيئة الاجتماعية تمامًا, كما يستحيل اختزال "سيولة" أو "رطوبة" الماء إلى أحد العنصرين: الهيدروجين أو الأكسجين, وكما أن السيولة "خاصية ناتجة عن تفاعل الهيدروجين والأكسجين", فإن الوعي السيكولوجي هو خاصية ناتجة عن التفاعل بين البيولوجي والاجتماعي.

وهكذا تتمثل نواتج عمليتي التمثيل والمواءمة في صورة وحدات للبناء المعرفي, تسمى: البنى Structures أو المخططات schemas, والتي يفَضّل سيد غنيم "١٩٧٠، ١٩٧٣" تسميتها "الصور الإجمالية العامة", وهي عبارة عن تمثيلات داخلية لفئة من الأفعال أو أنماط الأداء المتشابهة؛ فهي تسمح للمرء أن يفعل شيئًا "داخل الذهن"، أي: تجربة عقلية، دون أن يلزم نفسه بالقيام بنشاط ظاهر أو صريح.

والمخططات أو الصور الإجمالية العامة ليست أجزاء من المعرفة جامدة التماسك والبنية، وإنما هي أنساق أو شبكات من المعلومات المنظمة المتفاعلة التي تَمَّ استيعابها, وهي ليست ثابتة, وإنما هي متكيفة دائمًا ومرنة أبدًا بسبب حدوث عمليات جديدة من التمثيل والمواءمة في المواقف البيئية المختلفة، وتدل على

<<  <   >  >>