وقد اختلفت المبررات، ولعل أشهرها شيوعًا, استخدامَ برنامج مدرسة الحضانة في أغراض التربية التعويضية "Harris ١٩٨٦", فقد لُوحِظَ في الولايات المتحدة الأمريكية أن الأطفال الذين يُولَدُون وينشأون في ظروف اجتماعية واقتصادية غير ملائمة, يلحقهم آباؤهم في مؤسساتٍ تقدِّم برامج للتدخل التعويضي سعيًا وراء إكسابهم المهارات التي تتوافر لدى الأطفال من ذوي المستويات الاجتماعية والاقتصادية الأفضل, والتي تُعَدُّ ضروريةً للنجاح في المدرسة الابتدائية في الطور النمائي التالي.
وهناك سبب آخر وراء الاهتمام الزائد في السنوات الأخيرة بإلحاق الأطفال في هذه المؤسسات التربوية، وهو الإسراع بتنميتهم المعرفية, وفي هذه الحالة يعتقد بعض الآباء والأمهات أنه لو توافرت لأطفالهم فرصة اكتساب المهارات الأكاديمية في وقتٍ مبكرٍ فإنهم سوف يتفوقون على أقرانهم حين يحين أوان الالتحاق بالمدرسة الابتدائية, ويتفق هذا الشعور مع الطبيعة التنافسية الإنجازية للمجتمع الحديث, إلّا أنه قد لا يتفق مع طبيعة الطفل "فؤاد أحمد أبو حطب، أمال صادق، ١٩٩٥"؛ فنتائج هذا ضارة, وخاصةً إذا تحولت روضة الأطفال إلى "مدرسة", ثم إلى مدرسة من نوعٍ شديد المطالب, على النحو الذي نلاحظه اليوم في مجتمعنا؛ حيث تقدم للأطفال برامج "تعليم" منظمة, ثم يزداد الأمر خطرًا على الصحة النفسية والاجتماعية والثقافية للطفل حين يتعلم طفل الحضانة لغة أجنبية, أويتعلم بلغة أجنبية، إننا وحينئذ تبذر بذور "الاغتراب" الثقافي في وجدان الطفل.
ويوجد سبب ثالث لزيادة عدد الأطفال الذين يلتحقون في الوقت الحاضر بدور الحضانة ورياض الأطفال, يتصل أساسًا بالتغيرات التي طرأت على بنية الأسرة المعاصرة, وعلى رأسها خروج المرأة للعمل, ولعل المفهوم الشائع لدى هؤلاء الأمهات العاملات عن دار الحضانة أنها مجرد مكانٍ لإيواء الطفل خلال الفترة التي تنشغل فيها عنه بالعمل, وبالطبع فإن بعض المؤسسات تعمل في ضوء هذا التصور، حتى تحولَّت إلى "مخازن" للأطفال كما بينا آنفًا.
أما السبب الرابع والأخير: فهو رغبة الآباء والآمهات في أن تكون دار الحضانة أو الروضة فرصةً تهيئ للطفل أن يلتقي بغيره من الراشدين وبالأطفال الآخرين, وتعلم مهارات التفاعل الاجتماعي في مواقف أكثر اتساعًا وشمولًا، وأداء مهام جديدة لا تتوافر عادةً داخل البيت، وكل ذلك بغرض مزيد من التطبيع الاجتماعي للطفل, وهذه المجموعة من الآباء والأمهات هم الأقلية بمقارنتهم