الهامة في إشارته إلى ضرورة أن يُؤْنَسَ الرشد في الإنسان حتى تكتمل له أهلية الأداء المدنية، ويرجع ذلك إلى الاختبار والتجربة، ولهذا السبب لم يحدد جمهور فقهاء المسلمين سنًّا معينة مطلقة لبلوغ كلٍّ من السعي "الشباب" والرشد، وترك الأمر للظروف الاجتماعية والنفسية المتغيرة "راجع الفصل الثالث".
وحتى نضع الظروف التي تعرَّضَ له المجتمع الإنساني الحديث في الاعتبار ونحن نتناول مرحلتي المراهقة والشباب, لا يمكن لنا القفز مباشرة الآن من البلوغ الجنسي إلى الرشد, ولهذا نقسِّمُ هذه المرحلة إلى طورين رئيسيين ملتزمين بالإطار الإسلامي:
١- طور بلوغ الحلم "المراهقة": وتشمل بداية واكتمال التغيرات الجسمية المرتبطة بالبلوغ الجنسي, وتنتهي في حوالي الخامسة عشرة, وتشمل المرحلة التعليمية التي تسمى المرحلة الإعدادية, أو المرحلة المتوسطة, أو المرحلة الثانية من التعليم الأساسي, أو المرحلة الأولى من التعليم الثانوي, حسب أحوال النظام التعليمي وطبيعته.
٢- طور بلوغ السعي "الشباب": وهي تسميةٌ أفضل من التسمية الشائعة باسم المراهقة المتأخرة، وتبدأ مع اكتمال التغيرات الجسمية, وتمتد إلى سن الرشد الحقيقي "١٨عامًا", أو القانوني "٢١عامًا", وتشمل المرحلة الثانوية، وقد تمتد إلى المرحلة الجامعية حسب مؤشرات الاستقلال السيكولوجي "التي تدل على الرشد" التي يبديها الفرد, وتسمية هذا الطور بالوصف القرآني البديع "بلوغ السعي", يحمل معنى إمكان سعي الشباب في أمور دنياه كسبًا لعيشه إذا لم يشأ إكمال تعليمه, ثم إنه يحمل تضمينًا هامًّا حول توجيه طبيعة التعليم في هذا الطور؛ بحيث يحقق للشباب السعي أيضًا في أمور دنياه, وهي مسألة هامَّة سنتناولها بالتفصيل عند عرضنا لهذا الطور في النمو الإنساني, ومعنى ذلك أن هذا الطور هو في واقع الأمر في منزلة بين المراهقة والرشد.