ويمكنه أن ينمو ويصل إلى نموذج الحكمة والمعرفة والفضيلة إذا سمح له باتباع طريقته الطبيعية, وليس بالتطفل على مجتمع فاسد, وقد أسيء فهم رأي روسو حول هذه المسألة حين رأى البعض أن ذلك يعني ترك الأطفال يفعلون ما يشاءون.
إلّا أن هذا لم يقصده روسو، فمسئولية الراشد الناضج أن يحلل الطريقة الطبيعية في التعلم, كما فعل "إميل"، وعلى أساس هذا التحليل يعامل خبرات الطفل حتى تتواءم مع مسار المراحل الحرجة التي صورها على أنها تتضمن جوانب النمو المطلوب في كل منها, ومعنى ذلك أن النمو الطبيعي للطفل يحتاج إلى نوع من التنظيم من جانب الراشد.
ومع اقتراب القرن الثامن عشر من نهايته, ظهر عدد من الفلاسفة والمربين والعلماء وجهوا انتباههم إلى وصف مسار النمو الإنساني نذكر منهم:
١- جوهان نيكولاس تيتنس: Tetens ١٧٣٦-١٨٠٧, وكان أستاذًا للفلسفة في عدد من الجامعات التي أنشئت في عصر النهضة، وقدَّم نظرية مبدئية حول النمو الإنساني تهتم بالفروق الفردية في النواحي الجسمية والنفسية طوال مدى الحياة.
٢- ديتريش تيدمان Tiedman "١٧٤٨-١٨٠٣", وقد نشر كتابًا تناول فيه بالتفصيل سيرة طفله؛ حيث وصف مهاراته الحركية ولغته وإمكاناته العقلية وسلوكه الاجتماعي والانفعالي، فكان أول كتاب في علم نفس النمو بالمعنى المباشر.
٣- جون هنري بستالوتزي pestalozzi "١٨٢٧-١٧٤٦", والذي يعتبر أعظم مصدر للأفكار حول تربية الأطفال, وكان له أثر كبير فيمن جاء بعده من فلاسفة في هذا المضمار, وقد لخصت "أميمة أمين، آمال صادق، ١٩٨٥" أفكاره, وقد اعتمد في معظم ما كتب على ما جمعه من معلومات عن تعلم طفله البالغ من العمر ٤ سنوات.
٤- فردريك أوجست كاروس carus ١٨٠٨-١٧٧٠, وهو عالم ألماني, سجل بعض انطباعاته حول مراحل النمو مدى الحياة, مستقلة عن العمر الزمني, واهتم على وجه الخصوص بالفروق بين الجنسين, والاختلافات بين الثقافات في النمو الإنساني.
ولعلنا نلاحظ أن معظم الكتابات التي ظهرت في عصر التنوير تعتمد على الخبرة الشخصية لمفكري هذا العصر، إلّا أن ما يلفت النظر هو توجه بعضهم إلى جمع معلومات عن نمو أطفال حقيقيين قاموا بملاحظتهم، وهم في العادة أبناء الباحثين أنفسهم، وهذا الاتجاه خاصة بشَّرَ بالاتجاه العلمي الحديث في دراسته النمو, والذي نعرض أصوله وبداياته في الأقسام التالية من هذا الفصل.