والواقع أن المراهق لا يكون مستعدًّا لتقبُّلِ المفاهيم الخلقية دون مناقشةٍ كما كان الحال عليه أثناء الطفولة, إنه يحاول بناء نظامه الأخلاقي معتمدًا على المبادئ الخلقية التي تكونت لديه أثناء الطفولة, والتي يجب أن تتعدَّلَ وتتغيَّرَ لتلائمَ المستوى الأكثر نضجًا من النمو في هذه المرحلة, ويقوده ذلك إلى اكتشاف أوجه التناقض في بعض المبادئ الخلقية، وخاصةً التناقض بين القول والعمل في سلوك الوالدين والمعلمين, وهذا الاكتشاف بالذات يؤدي بالمراهق إلى كثيرٍ من الخلط والاضطراب, كما قد يكتشف المراهق ما يمكن أن يسمى "المعيار المزدوج" Double Standard؛ فالكذب يمكن أن يكون أبيض, وسرقة الممتلكات الشخصية أسوأ من سرقة الملكية العامة, ويعض أنماط السلوك في العلاقة بين الجنسين تُعَدُّ خطأً إذا صدرت عن البنات, بينما هي ليست كذلك بالنسبة للبنين، والأخطر من هذا شيوع اتجاه تسامحي نحو الغش في الامتحانات، ويبرر المراهقون ذلك بأن الكثيرين يلجأون إلى هذه الوسيلة للنجاح في الامتحان من ناحية، وبأن هناك ضغوطًا على الطلاب للحصول على درجاتٍ عالية لتحقيق أهدافهم التعليمية والمهنية, وشيوع هذه المعايير المزدوجة بين المراهقين مؤشرٌ على الانهيار القيمي العام, والمراهقة في هذه الحالة ليست إلّا مرآة تنعكس عليها هذه الصورة المدمرة للمجتمع, ومن الواجب أن ننبه إلى ذلك, وخاصة بعد شيوع كثير من الظواهر الخطيرة في مجتمعنا في الوقت الحاضر, والتي تهدد بالشر المستطير.
ولعل أشدَّ مصادر الخطر ضررًا أن يعجز الضمير -وهو قوة الضبط الداخلي عند الإنسان الراشد الذي تعتبر مرحلة المراهقة المقدمة الطبيعية له- عن النموّ بالمعدل المطلوب, والضمير هو الذي يحوّل سلطة التحكم في سلوك الفرد إلى داخله, وليس إلى سلطة خارجية, والمفروض أنه مرحلة نموّ طبيعية في المراهقة, بعد أن تكون قد ظهرت بوادر مشاعر الذنب والعار في الطفولة المبكرة عند القيام بسلوك لا يتفق مع المعيار الاجتماعي، وهي المشاعر التي يُفْتَرَضُ فيها أن تسود هذه المرحلة "وخاصة الشعور بالذنب" لتنقل المراهقين من المستوى الخلقي التقليدي إلى المستوى بعد التقليدي, على حد تعبير كولبرج "راجع الفصل الخامس", ومن الواجب التمييز بين الشعور بالذنب والشعور بالعار؛ فالأول قوةُ ضبطٍ داخليةٍ, بمعنى: أنه يحدث استجابات انفعالية غير ملائمة حين يدرك الفرد أن سلوكه لا يلتزم بالمعيار القيمي، أما الشعور بالعار فينتج استجابات انفعالية فقط, حين يشعر الفرد بأن الآخرين يحكمون على سلوكه بعدم الملاءمة, وعلى هذا فإن