للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مفهوم النمو الإنساني, وخاصة حين اعتبر الإنسان فيها جزءًا من الطبيعة الحيوانية, وأنه الصورة الأرقى من صور الحياة, ابتداء من الكائنات أحادية الخلية، وعلى الرغم من أن داروين اعتبر الإنسان أكثر الكائنات الحية تعقيدًا في سلم التطور, إلّا أن أفكاره الأساسية تعارضت جوهريًّا مع التعاليم الدينية، ومع المفاهيم الراسخة في الفكر الإنساني -منذ عهد أرسطو- التي تميز تمييزًا كيفيًّا بين الإنسان والحيوان١.

وقد أدت هذه الأفكار بداروين إلى إجراء المقارنات بين الإنسان والأنواع الحيوانية, وكان يعتقد أن الأطفال الصغار يشتركون مع الحيوانات الأدنى في خصائص كثيرة، بالإضافة إلى أنهم "أي الأطفال" يلخصون التاريخ التطوري.

بالإضافة إلى أن فكرتيه عن الانتقاء الطبيعي، والبقاء للأصلح, أثرتا تأثيرًا كبيرًا في فهمه لطبيعة عملية النمو الإنساني منه والحيواني، حيث لا يستمر في البقاء عن طريق التناسل إلّا تلك الأنواع "والأفراد داخل النوع الواحد" التي يتوافر لها أفضل وسائل التكيف للبيئة المتغيرة, وقد أثرت هذه الأفكار من ناحية أخرى في شيوع مفاهيم التكيف والتوافق في العلوم الإنسانية الناشئة حينئذ، ومنها علم النفس، وفي ظهور الاهتمام بالفروق الفردية والسلالية بين البشر.

وتوجد فكرة أخرى لداروين أثرت تأثيرًا كبيرًا في بحوث النمو التالية, وهي وجود علاقة بين تطور النوع ونمو الطفل داخل النوع، وظهر أثرها في الاهتمام بالبحث عن أصول سلوك الراشد وخصائصه في خبرات الطفولة المبكرة، وهي فكرة شاعت على وجه الخصوص في مدرسة التحليل النفسي "عند فرويد".

وقد لجأ داروين في دراسته للنمو الإنساني إلى المنهج الذي ظهرت بدايته في القرن الثامن عشر، وشاع في القرن التاسع عشر, وهو كتابة سير الأطفال وتراجم حياتهم, ويتلخص هذا الأسلوب في قيام الآباء بتسجيل يوميات عن نمو أبنائهم, وبعض هذه التسجيلات صدر عن أدباء وفلاسفة, كما صدر بعضه عن علماء.

وهذا الأسلوب كان من الشيوع في القرن التاسع عشر حتى أن بعض المؤرخين يذكرون أنه كان من الممارسات العادية للآباء من الطبقات المتوسطة والعليا.


١ تعرضت نظرية التطور منذ ظهورها للنقد الشديد من مختلف الأورقة الدينية والعلمية, وتتوافر في الوقت الحاضر أدلة علمية كافية لدحض النظرية في صورتها الأصلية، ولعل أكثر هذه الأدلة وضوحًا ما تأكد من وجود الخصائص المميزة للنوع, والتي أدت إلى تأكيد فكرة استقلال الأنواع، وقد بينت دراسات علم النفس المعرفي المقارن في السنوات الأخيرة أن بحوث اكتساب اللغة, وتعلم أنماط التفكير, تؤكد أن الفروق بين الإنسان والحيوان فروق كيفية, تجعل الإنسان فئة بيولوجية وسلوكية متميزة عن الحيوان "راجع هلوس وآخرين. ترجمة فؤاد أبو حطب، آمال صادق، ١٩٨٢, وكذلك فؤاد أبو حطب، ١٩٩٥".

<<  <   >  >>