ولهذا نجد داروين في عام ١٨٧٧ ينشر مقالًا عن النمو المبكر لطفله الرضيع Darwin, ١٨٧٧, ووجهت كتابة المقال فكرته العامة حول أهمية النمو الفردي في فهم التطور الإنساني, والواقع أن أسلوب كتابة سير الأطفال وتراجم حياتهم فيه شكٌّ كبيرٌ, وخاصة فيما يتصل بموضوعية البيانات التي سجلها الآباء عن أبنائهم, وذلك للأسباب الآتية:
١- الملاحظات التي أجريت وسجلت في معظم الكتابات كانت تتم على فترات زمنية غير منتظمة، كما ركَّزت على جوانب متفاوتة من سلوك الأطفال، ولهذا كانت البيانات التي هيأتها لنا هذه الطريقة غير قابلة للمقارنة.
٢- الملاحظون الذين قاموا بجمع هذه البيانات وتسجيلها, كانوا في الأغلب هم آباء الأطفال موضع الملاحظة, ولهذا غلب على تسجيلاتهم الأسلوب الانتقائي والتحيز الذاتي؛ حيث كانوا ينتبهون في معظم الأحيان إلى الأحداث السارَّة والشواهد الإيجابية، ولا ينتبهون إلى الأحداث غير السارة والشواهد السلبية.
٣- الباحثون الذين قاموا بجمع هذه الشواهد والأدلة لديهم أفكار قبلية وافتراضات مسبقة حول طبيعة النمو الإنساني، وعلى الرغم من أنها أقرب إلى الفروض التي تتطلب الاختبار منها إلى البديهيات التي يتم التسليم بصحتها, ولهذا كان من الواجب وضعها موضع الاختبار للتحقق من صحتها، إلّا أن ما حدث أن هذه الأفكار والافتراضات القبلية وجهت ملاحظات وتسجيلات هؤلاء الباحثين, ولهذا يلاحظ القارئ لمعظم هذه السير والتراجم للأطفال أنها لم تجمع إلّا الملاحظات التي تتفق مع وجهة نظر الباحث، ويتضح ذلك على وجه الخصوص في السيرة التي كتبها داروين عن طفله، ولهذا لا تعد في الوقت الحاضر دليلًا عمليًّا يعتد به.
٤- جميع هذه السير والتراجم أجريت على طفل واحد فقط، وبالطبع فإن المنهج العلمي يحذرنا من التعميم من حالة واحدة على حالات أخرى, ويحتاج هذا التعميم إلى أن نجري الدراسات على "عينات" ممثلة للأطفال الذين نسعى إلى وصفهم ودراستهم, وهذا المنهج لم يتقدم إلّا في القرن العشرين.
وعلى الرغم من أن أسلوب سير الأطفال وتراجم حياتهم لم يكن مفيدًا