للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شابًّا، وإنما تحوَّلَ إلى أدوارٍ جديدة: الساعي لكسب العيش من خلال عمل منظم ومستمر، الزوج أو الزوجة، الوالدية, إلخ, وفي عملية التحوّل إلى الرشد يختلف الأفراد اختلافاتٍ جوهرية في توقيت هذه المهام التي يؤدونها, والأدوار التي يقومون بها, وبعبارة أخرى فإنهم يصلون إلى "مكانة الرشد" في أوقات مختلفة.

ولعلنا هنا نعيد الإشارة إلى ما سبق أن ذكرناه, من أن بعض الأشخاص قد يصلون إلى سن الخامسة والعشرين وهم لا يزالون في مرحلة التعليم، بينما يمارس غيرهم دور الزوج والوالد قبل هذه السن بسنوات، بل إن بعضهم قد يدخل سوق العمل قبل ذلك ببضع سنوات كذلك "بعد إنهاء مرحلة التعليم الأساسي في سن ١٥ سنة, وربما قبلها فيما اصْطُلِحَ على تسميته "عمالة الأطفال".

٤- المحك السيكولوجي:

المحك الاجتماعي للرشد الذي أشرنا إليه في الفقرة السابقة هو محكٌّ موضوعيٌّ، إلّا أن هناك محكًّا سيكولوجيًّا يعتمد على الخبرات الذاتية للفرد، يضاف إليه ويجعله جزءًا من البنية الأساسية لشخصية الفرد, ويشير علماء النفس المعاصرون إلى بضعة مؤشرات توجه هذا المحكَّ السيكولوجي, تشمل ما يلي:

أ- العمر المدرك Perceived age: ويُقْصَدُ به العمر الذي يشعر فيه الفرد شعور ذاتيًّا أنه أصبح راشدًا, ومن الواضح أن إدراكنا لأنفسنا يعكس كثيرًا من الجوانب المختلفة "العمر الزمني، النضج البيولوجي، الأدوار الاجتماعية التي نمارسها، التوافق النفسي والاجتماعي وغيرها", ولعل ذلك يفسر لنا لماذا يشعر بعض الأشخاص ويتصرفون كأنهم راشدون وهم لا يزالون ربما في طور الطفولة١, بينما نجد آخرين في منتصف العشرينات من العمر أو أواخرها, ومع ذلك يعانون من صراعٍ بين حاجاتهم ورغباتهم التي تبدو طفولية, وبين شخصية الراشد التي يصبون إليها.

ب- الاستقلال: المؤشر السيكولوجي الرئيسي للرشد هو الاستقلال, فمع الرشد يشعر المرء أنه مسئول عن نفسه وعَمَّنْ يعول، ويتخذ قراراته بنفسه دون حاجة مستمرة إلى دعم الآخرين "وخاصة من هم أكبر منه مثل الوالدين والمعلمين", ويتجه الاستقلال على وجه الخصوص إلى تلك القرارات التي تتصل بحياة الراشد الشخصية, سواء كانت هذه القرارات تافهة أو هامة, ثم إنه لا يحب أن يتدخل الآخرون في هذه الشئون، ويتحمَّل المسئوليات والنواتج المترتبة عليها.


١ تؤكد ذلك نتائج البحوث التي أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية حول "عمالة الأطفال" والتي سنشير إليها فيما بعد.

<<  <   >  >>