٢- العمل مصدر لشعور الفرد بقيمته, وبالتالي فإنه وثيق الصلة بتقديره لذاته وتحديد هويته, ويكشف ذلك عن الأثر النفسي المدمِّر للبطالة على شخصية الراشدين, ويتوقف تقدير الراشدين العاملين لذواتهم على تفسير كلٍّ منهم لخبرة العمل, ومن ذلك أسلوب الشخص في عزو attribution أسباب النجاح والفشل المهنيين أو تحديد موضع الضبط locus of control لكلٍّ منهما, فإذا كان الراشد يعزو أسباب نجاحه إلى عوامل داخلية مستقرة فيه من ناحية، وأسباب فشله إلى عوامل خارجية غير مستقرة "مؤقتة أو عارضة", فإنه يكون أكثر تقديرًا لذاته، كما يكون لديه شعور قوي بالكفاءة الشخصية "Huyck Hoyer ١٩٨٢", وتوجد فروق بين الجنسين في هذا الصدد؛ فالنساء أكثر احتمالًا في عزوِ النجاح إلى الحظ والمصادفة أو سهولة العمل، بينما الرجال يعزونه إلى قدرتهم العالية وجهدهم الزائد, أما في حالة الفشل فإن المرأة قد تعزوه إلى نقص قدرتها، والرجل إلى نقص جهده المبذول "Mednick et al ١٩٧٥", وهكذا فإن المرأة قد تشتق تقديرًا أقل لذاتها, وشعورًا أدنى بالكفاءة من إنجازٍ قد تتساوى فيه مع الرجل.
ومن ناحيةٍ أخرى فإن العمل -على الرغم من أنّ له نفس المعاني العامة لدى الجميع- قد يحقق لبعض أصحابه شعورًا أكبر بالقيمة, وتقدير الذات بسبب الترتيب الهرميّ "الهيراركي" للمهن من ناحية, ومبالغة المجتمع في تقدير بعضها على حساب البعض من ناحية أخرى.
٣- العمل له أهميته الاجتماعية للفرد إلى جانب أهميته للشخصية، فهو مصدر للمكانة الاجتماعية، وبالعمل يقدم الراشد إلى الآخرين شيئًا له قيمة، سواء كان ذلك إنتاجًا أو خدمة, ويحصل على موافقة الآخرين وتعزيزهم, كما أن العمل يهيئ للراشد فرصًا كثيرة للمشاركة الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي, سواء داخل بيئة العمل "مع الزملاء والمرؤسين والرؤساء" أو خارجها، حين يكوّن الشخص علاقات صداقة جديدة مع زملاء العمل, أضف إلى ذلك أن العمل هو المصدر الرئيسي للدخل عند الكثيرين، وهو بذلك يسمح للراشد بإعالة نفسه وأسرته, وأخيرًا فإن العمل هو الوسيلة الأساسية لشغل وقت الراشدين وتنظيمه, ويحقق لهم بذلك صورة سوية للتوافق الاجتماعي, ولعلنا ندرك المغزى العميق لذلك إذا تأملنا حالات سوء التوافق الاجتماعي لدى الذين يعيشون محنة البطالة أو الذين يتقاعدون.
وبسبب هذه الأهمية البالغة للعمل كانت له مكانته الرفيعة في الإسلام؛ فهو في الإسلام من ألوان العبادة, يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام: