وهذا ما تكشف عنه التعدادات السكانية الأخيرة, وقد أدى ذلك إلى توسيع نطاق مرحلة العمر الثالث للإنسان, ورفع حدّها الأقصى الذي أصبح ينتهي بالإنسان إلى الموت في سن مائة سنة أو أكثر, كما بينا عند الحديث عن المدى الأقصى للحياة, ويذكر "Binger, ١٩٨٣" أن هذه التطورات أدت إلى أن الإنسان المعاصر يمكنه أن يعيش -إن شاء الله- في هذه المرحلة في الوقت الحاضر ما بين ٢٠، ٤٠ سنة.
هل العمر الزماني معك كافٍ؟ لعل أشد الأخطاء خطرًا أن يتصور المرء أن العمر الزمني في ذاته متغير تفسيري "أي: له علاقة سببية بما يحدث من تغيراتٍ في أيِّ طور من أطوار العمر"؛ فالعمر في ذاته لا يمكنه حتى أن يصف، ناهيك أن يفسِّر هذه التغيرات, وعلى هذا فبلوغ المرء سن الستين أو تجاوزه لا يفسر مباشرة ما يحدث من تغيراتٍ من النوع الذي يشيع في العصر الثالث للإنسان. وكل ما يمكن أن يكون عليه أنه مؤشر تتفاعل فيه مجموعة من العوامل التفسيرية من ناحيةٍ "كالآثار الاجتماعية والبيئية التي يعيش فيها الإنسان الراشد المسن, أو التغيرات البيولوجية التي تطرأ عليه"، ومجموعة أخرى من الخصائص المترتبة عليها من ناحية أخرى "مثل اتجاهات الراشدين المسنين أو العمليات السيكولوجية التي تصدر عنهم", ويشبه Kermis" "١٩٨٤ العمر الزمني -باعتبار محض مرور الزمن- بأيّ أداة قياس أخرى "السنتيمترات في المتر مثلًا"؛ فالسنتيمترات وسيلة لقياس الطول, ولكنها لا تحدثه أو تؤثر فيه بالزيادة أو النقص, وبالمثل فإن الساعات والأيام والشهور والسنوات التي تؤلّف مقياس الزمن "وبالتالي مقياس العمر الزمني" تقيس هذا الحدث الفيزيائي، ولا تدل على أكثر من طول الزمن الذي قضاه المرء حيًّا، وكل ما نستطيع قوله: إن هناك تغيرات معينة تحدث في العمر الزمني أو تصاحبه, ولكنها لا تنتج عنه, وهذه التغيُّرات البيولوجية والسيكولوجية والاجتماعية هي -كما سبق أن وصفناها في مطلع هذا الكتاب- هي محتوى الزمن.