ويذكر القرطبي في الجامع لأحكام القرآن في تفسير ذلك، فلما بلغ معه المبلغ الذي يسعى مع أبيه في أمر دنياه معينًا له على أعماله.
قال مجاهد: أي شبَّ وأدرك سعيه سعي إبراهيم, ويضيف الحسن ومقاتل أن السعي هذا هو سعي العقل الذي تقوم به الحجة.
٢- بلوغ الرشد:
يقول الله تعالى:{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}[النساء: ٦] .
وفي هذه الآية الكريمة إشارة إلى أن الرشد يعني: الاهتداء إلى ضبط الأموال "باعتباره المؤشر الأساسي للنضج الاجتماعي" وحسن التصرف فيها, والصلاح وسداد الرأي، وففيه جمع بين القوتين، قوة البدن وهو بلوغ النكاح، وقوة المعرفة وهو إيناس الرشد، فلو مُكِّنَ اليتيم من ماله قبل حصول المعرفة وبعد حصول قوة البدن لأذهبه في شهواه وبقي صعلوكًَا, ومن الإشارات القرآنية اللطيفة هنا طلب "إيناس" الرشد والتعرف على علاماته ومؤشراته، وهذا يعني أن الرشد ليست له حدود زمنية محددة يصل إليها الجميع في زمن واحد.
٣- بلوغ الأشد١ "اكتمال الرشد":
يقول الله تعالى:{ ... ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ... }[الحج: ٥]{ ... ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ... }[غافر: ٦٧] .
ويذكر القرطبي في هذا الصدد أن بلوغ الأشد هو بلوغ القوة، وقد تكون في البدن، وقد تكون في المعرفة بالتجربة، ولابد من حصول الوجهين, فإن الأشد وقعت هنا مطلقة وتعني -والله أعلم- البلوغ على إطلاقه, وهو هنا البلوغ الجنسي والجسمي والعقلي وهو معنى الرشد.
١ يقال بلغ أشده, أي: قوته، وهو مفرد، أو جمع لا واحد له من لفظه، أو جمع اختلف في مفرده.