والواقع أن تعلُّم مهارات حركية جديدة في مرحلة الشيخوخة يُعَدُّ من الخبرات غير العادية، ليس لأن التعلم في ذاته أصبح أكثر صعوبة فحسب، وإنما بسبب نقص الدافعية لدى الأفراد أيضًا, ولهذا يجب أن يشعر المسن في تعلُّمِه لأي مهارة حركية بأن هذا التعلُّم مفيد له شخصيُّا، وقد يؤدي به ذلك إلى بذل الجهد الممكن, وهذا في ذاته مؤشر جيد حتى ولو سار هذا التعلُّم بمعدل أبطأ, وكان عائده أقل من المراحل العمرية السابقة, ومما يفيد التعلُّم الحركي في هذه المرحلة أن تكون اليد والذراع على درجة كافية من الثبات.
والسؤال هو: لماذا يحدث البطء في السلوك الحركي في هذه المرحلة؟ الواقع أن هذا البطء لا يقتصر على النشاط الحركي, وإنما يشمل السلوك الإدراكي والمعرفي والفسيولوجي أيضًا؛ لأنها جميعًا أنماط استجابة للمثيرات الخارجية, وقد اقتَرَح بعض الباحثين المبكِّرين أن السبب في ذلك هو العمليات الطرفية في الجهاز العصبي المركزي, ومن ذلك نقص كفاءة أجهزة الاستقبال، وبطء سرعة التوصيل العصبي, إلّا أن بعض الباحثين المحدثين، ومنهم "Botwinick, ١٩٧٣" رفضوا هذا التفسير واقترحوا فرضًا بديلًا يرجع بطء الاستجابة إلى التغيرات في العمليات المركزية مع التقدم في العمر, وقد وجدوا بالفعل أن هذا البطء السلوكي يرجع من ناحية إلى التدهور الحسي والإدراكي على ما وصفناه في القسم السابق، والذي يؤدي بدوره إلى صعوبة التمييز بين المثيرات، كما يرجع من ناحية أخرى إلى هبوط سرعة التوصيل العصبي, وتأكد أن المسنين أبطأ ممن هم أصغر سنًّا في جميع سرعة التوصيل العصبي, وتأكَّدَ أن المسنين أبطأ ممن هم أصغر سنًّا في جميع مستويات صعوبة المهام التي يؤدونها, وأن زمن رجع المسنين يزداد "أي: تقل السرعة" مع زيادة صعوبة تمييز المثير، وأن الفروق بين الأعمار تزداد مع زيادة هذه الصعوبة, ومعنى ذلك أن العوامل الإدراكية "الطرفية" ليست وحدها هي المسئولة عن بطء الاستجابة مادام هذا البطء يظهر فيها حتى مع ضبط متغير القدرة على التمييز؛ فحينما تَمَّ التكافؤ بين المجموعات العمرية المختلفة في شدة المثير لم يؤدِّ ذلك إلى زوال الفروق بين المسنين ومن هم أصغر سنًّا في بطء الاستجابة, وعلى ذلك فإن أعضاء الحسِّ ليست وحدها المسئولة عن البطء في زمن الرجع الذي يظهر في مرحلة الشيخوخة.
ومع ذلك فحين حاول الباحثون اختبار فرض دور سرعة التوصيل العصبّي كعامل رئيسي في البطء, ثبت أنه غير صحيح؛ فحين تمت المقارنة بين المسنين في المهام التي تتطلَّبُ مسارًا عصبيًّا أطول من غيرها لم تظهر فروق بينها، ومعنى ذلك أن بطء الاستجابة حالة عامة, سواء كانت المهمة تَتَطَلَّبُ مسارًا عصبيًّا