مع الشيخوخة، ودرجة رضائهم عن حياتهم منخفضة، وفي أحسن حالاتها تكون متوسطة.
وهذه الأنماط كما ذكرنا لا تظهر فجأة في مرحلة الشيخوخة، ولكنها تراكم تتابعي لخبرات الحياة السابقة, ولذلك فإنه تبعًا لمنطق نيوجارتن وزملائه, فإن الإنسان في المراحل المتأخرة من حياته يصبح "أكثر شبهًا بنفسه"؛ حيث تصبح سماته السلبية والإيجابية أكثر وضوحًا تحت "مجهر الشيخوخة".
وفي دراسة طولية أخرى مداها خمس سنوات قام "Cumming Henry" "١٩٦١ بدراسة ٢٧٥ مسنًّا مودعين في المؤسسات, وقد وجد الباحثان نمطًا مشتركًا لديهم جميعًا هو التحرر من الالتزامات, وقد عرف ذلك بأنه عملية انسحاب متبادل بين المسن والمجتمع الذي يعيش فيه؛ فمع تحلل المسن تدريجيًّا من مسئولياته الاجتماعية تقل مكانته وتضعف أدواره الاجتماعية بنفس الدرجة, وحين تكتمل هذه العملية يظهر توازن جديد بين الفرد والمجتمع، وتصبح علاقة المسن بالآخرين من النوع الذي تزيد فيه المسافة النفسية ويقل فيه التفاعل الاجتماعي, وقد اعتبر الباحثون هذه العملية -كما أشرنا في الفصل السابق- خبرة إيجابية للمسن ما دامت هذه المرحلة من النمو الإنساني تتسم بضعف المدخلات الحسية وزيادة الانطوائية وزيادة القرب من الموت، وعندئذ يصبح نقص الاستثمار الانفعالي في الناس والأحداث سلوكًا تكيفيًّا, وقد تعرضت هذه النتائج التي أقيمت عليها نظرية التحرر من الالتزامات للنقد، كما أشرنا في الفصل السابق، وعلى كلٍّ, فإنها في أحسن حالاتها هي أحد أنماط توافق المسنين، ولكنها ليست النمط الوحيد أو الأفضل؛ فالمسن جيد التوافق كما بينت الدراسة السابقة هو الذي يظل نشطًا, وقد أكدت دراسات كثيرة بالفعل أن المسنين الذين يستمرون في نشاطهم الاجتماعيّ أكثر سعادة من الذين ينسحبون من الحياة الاجتماعية, بل إن الظروف الاجتماعية السابقة التي كانت تدفع المسنين الذين يستمرون في نشاطهم الاجتماعي أكثر سعادة من الذين ينسحبون من الحياة الاجتماعية, بل إن الظروف الاجتماعية السابقة التي كانت تدفع المسنين إلى بيئاتٍ مقيدة كالمؤسسات, وتفرض عليهم الانسحاب, قد تغيرت لأسباب كثيرة منها: التقاعد المبكر والاختياري، وتحسين ظروف الرعاية الصحية، وتطوير تشريعات التأمين الاجتماعي, وارتفاع المستويات التعليمية, وقد فتح ذلك كله الأبواب لمزيد من النشاط للمسنين, ولعل ظهور النظرية المناهضة -أي نظرية النشاط- دليل على ذلك "راجع الفصل التاسع عشر".
صحيح أن من أهم معالم مرحلة الشيخوخة انشغال المسن بحياته الداخلية والخاصة, ويزداد هذا الاهتمام مع التقدم في السن, حتى أن بعض الباحثين