يعتبرون هذا التوجه المتزايد نحو الداخل interiority, أو نحو التمركز حول الذات egocenterism تغيرًا نمائيًّا تتسم به هذه المرحلة، وهو إذا زاد كثيرًا أصبح من علامات "الانتكاس في الخلق" والذي أشار إليه القرآن الكريم، وبالتالي يدفع صاحبه دفعًا إلى طور حياته الأخير؛ أي: أرذل العمر؛ فالتمركز حول الذات حينئذ يصبح أشبه بحاله في طور المراهقة، وقد يتطرف ليصبح مطابقًا لما هو عليه في طور الطفولة, إلّا أن الدرجة العادية من التمركز حول الذات في مرحلة الشيخوخة تدفع المسن إلى الاهتمام بمشكلاته الفردية أكثر من الانشغال بمشكلات الآخرين من حوله, أو العالم المحيط به, مع وجود بعض الوعي بالآخرين والعالم الخارجي.
وبالطبع إذا حدثت عملية تحرر الفرد من التزاماته الاجتماعية متآنيةً مع تحرير المجتمع للفرد من هذه المسئوليات وخفض أدواره فيها, فإن ذلك قد يؤدي إلى توافق جيّد للمسنين, أما إذا قطعت صلات الشخص بالمجتمع قبل الأوان؛ كما يحدث في حالات التقاعد الإجباري المبكر، تنشأ حينئذ مشكلات التوافق؛ فحدوث هذا التحرر من الالتزام تدريجيًّا يؤدي في النهاية إلى شعور الفرد بالرفاهية السيكولوجية والرضا عن حياته مهما تقدم به السن, وبالطبع يتطلب ذلك دائمًا أن يواصل الفرد نشاطه الذي قد يتطلب بالطبع تغييرًا كميًّا أو كيفيًّا أو هما معًا فيه, والمهم في جميع الحالات أن ندرك أن توافق المسن حتى يحقق لنفسه شيخوخة ناجحة يعتمد على نمط شخصيته, والأسلوب طويل الأمد الذي رسم حياته كلها.
من السهل الوصول مما سبق إلى تعميمٍ معقولٍ حول الأساليب الملائمة للتوافق الجيد عند المسنين, إلّا أن الأمر لا يزال في حاجة إلى مزيدٍ من البحث, وخاصة في بيئتنا المصرية وغيرها من البيئات العربية, وأهم ما في الأمر أن النتائج التي توصلت إليها البحوث التي أجريت في هذا الميدان تؤكد إمكانية الوصول إلى التوافق الجيد خلال هذ الفترة من العمر, كما أن خبرة الحياة تؤكد وجود أمثلة كثيرة لأشخاص يستمرون في حياة خصبة نامية متطورة بالرغم من تقدمهم في السن, وهكذا فليس التوافق السيئ ملازمًا حتميًّا للشيخوخة.
سمات الشخصية: من أشهر البحوث التي تناولت الشخصية وعلاقتها بالعمر, تلك التي قام بها "Richard, et al., ١٩٦٢" والتي عرضنا بعض نتائجها فيما سبق، ونعود فنقدم مزيدًا من تفاصيل نتائج هذه الدراسة الهامة لتحديد سمات شخصية المتقدمين في السن.