مجموعتي العوامل، ويؤدي ذلك إلى صعوبة التشخيص والعلاج؛ ولهذا فالسمة الغالبة على اضطرابات أرذل العمرأنها أقل قابلية للعلاج إذا قورنت بالاضطرابات في مراحل العمر السابقة، وحتى الاضطرابات التي لها وسائل فعّالة تقل فعاليتها في هذا التطور.
وهذه المؤشرات المرضية الثلاثة هي تفصيل لمؤشري الانتكاس وفقدان القدرة على التعلّم اللذين تناولناهما في إطار المحك الإسلامي، فشيوع الاضطرابات لا ندرته, وتداخل ما هو وظيفي مع ما هو عضوي، وصعوبة القابلية للعلاج كلها تؤدي إلى مزيد من التدهور، واستمرار التدهور يؤدي بالضرورة إلى مزيدٍ من خلل الوظائف العضوية والنفسية على نحوٍ يؤدي إلى حدوث الانتكاس وفقدان القدرة على الاكتساب، بل إن عجز العلاج يجعل من اضطرابات أرذل العمر ظاهرة لا مرضية، وقد يبدو إشكاليًّا أن نقول: إن السلوك حتى ولوبدا مختلًّا يُعَدُّ عاديًّا حتى يتم اكتشاف علاج له, أو حين يصبح العلاج المتاح له أقل فعالية، ومع ذلك فإن هذه العبارة صحيحة، بل إنها من مؤشرات أرذل العمر كما قلنا "Eesdorfer & Lawtion, ١٩٧٣", فقبل اكتشاف الأساليب العلاجية المناسبة المضادة للاكتئاب كان هذا المرض يُعَدُّ سلوكًا عاديًّا, ويتعلم الإنسان أن يتعايش معه, أما الآن فقد تكاثرت العقاقير التي تعالج أعراض هذه الاضطرابات، حتى الثانوي منها كالتعب والأرق، وحينئذ أصبح ضمن قائمة الأمراض, كذلك القلق فإنه لم يَعُدْ يصنَّفُ على أنه من بين الأمراض إلّا بعد اكتشاف المهدئات. وهكذا يمكن القول أن الأعراض التي تُعَدُّ من النوع "غير القابل للعلاج" يمكن اعتبارها من نوع الاضطرابات النفسية الملازمة للهرم أو الإعمار aging السوي، وكثير من الأعراض ينطبق عليها هذا الوصف؛ مثل: نقص فترة النوم والإمساك وضعف الذاكرة أو فقدانها"الذي يؤدي بالطبع إلى ضعف أو فقدان القدرة على التعلّم, وهو أحد مؤشري المحك الإسلامي لأرذل العمر".
ويرى البعض أن عدم القابلية للعلاج تحكمه ظروف التقدم الطبي في وقت معين، وأنا المستقبل قد يكشف الوسائل الملائمة للعلاج, وهذا القول صحيح بالطبع، وإذا حدث أن استطاع الإنسان أن يكشف وسائل فعالة لهذه الأعراض, فإن طور أرذل العمر سوف يظهر في وقت أكثر تأخيرًا، ولعلنا نشير هنا إلى التقدم الطبي الحديث دفع هذا الطور سنوات أبعد كثيرًا مما كان عليه الحال في الماضي, ومع ذلك فلا بد لدورة الحياة مهما طالت سوية أو شبه سوية أو مرضية أن تصل إلى طورها الأخير, وهذه إحدى سنن الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلًَا.