أعطيناها من الرعاية, وفي جميع الأحوال لا تتم هذه التنمية بطريقة واحدة, وإنما هناك دائمًا الفروق الفردية. كما ينبه إلى استخدام أساليب الثواب والعقاب على نحوٍ يتفق مع المستوى النمائي للطفل، مع تفضيلٍ واضح لأسلوب الثواب على العقاب "خلف الجراد، ١٩٦٨".
ولعل أوضح ما كتبه علماء المسلمين عن النمو الإنساني بشكلٍ صريح قصة حي بن يقظان لابن طفيل، والتي يعرض فيها نمو طفل في جزيرة متوحشة, أرضعته ظبيةٌ حتى وصل إلى إشباع حاجاته المادية اعتمادًا على وسائله الخاصة، ثم استطاع بالملاحظة والتفكير أن يتوصل إلى أن معرفة الطبيعة والسماء ومعرفة الله ومعرفة نفسه, وقد بدأ حياته أشبه بحيوان، ثم غلب عليه في مراحل تالية من نموه التفكير الحسي أو العياني، ثم انتقل إلى الاهتمام بالمسائل العقلية، وبعدها يتحول إلى نمط من السلوك لا ينطبق على السلوك الإنساني المعتاد، وهو الذي يصفه ابن طفيل بأنه "عقل صرف".
مراحل النمو من المنظور الإسلامي:
من العرض الذي تناولناه في هذا الفصل حول توجيه علم نفس النمو وجهةً إسلاميةً يمكن أن نخلص إلى تخطيطٍ لمراحل النمو الإنساني في هذا الإطار، وهو المخطط الذي سيزاد تفصيلًا في فصول الكتاب التالية.
ونعرض هذ المخطط بإيجاز على النحو الآتي:
أولًا: يمكن تصنيف مراحل النمو الإنساني من المنظور الإسلامي إلى ثلاث مراحل كبرى, والمرحلة الأولى في هذا التصنيف تشمل ما يصفه القرآن الكريم بالضعف السابق على القوة، وهو ضعف التحول إلى الرشد، وتشمل هذه المرحلة طور الجنين وأطوار الطفولة والبلوغ المختلفة، وهي المرحلة التي تشهد أعظم التحولات في حياة الإنسان, والتي تبدأ منذ تكوين الجنين في الرحم من خلية واحدة مخصبة, إلى كائنٍ إنسانيٍّ بالغٍ عاقلٍ راشد، وهي فترة تستغرق من حياة الإنسان ما يقرب من عشرين عامًا.
والمرحلة الثانية في تصنيفنا تشمل ما يصفه القرآن الكريم بمرحلة "القوة", وهي مرحلة الرشد، وهي تكاد تكون أطول المراحل الثلاثة, وتبدأ من بلوغ الإنسان عاقلًا راشدًا وحتى بداية مرحلة الشيخوخة, والطول الزمني لهذه الفترة يكاد يمتد بها إلى ما يقرب من أربعين عامًا.
أما المرحلة الثالثة للإنسان في تصنييف هذا الكتاب للنمو الإنساني فهي التي