حصين بن قاسم الوزان قال: كنا عند عبد الواحد وهو يعظ فناداه رجل من ناحية المسجد كف يا أبا عبيدة فقد كشفت قناع قلبي فلم يلتفت عبد الواحد ومر في الموعظة. فلم يزل الرجل يقول: كف يا أبا عبيدة فقد كشفت قناع قلبي وعبد الواحد يعظ ولا يقطع وموعظته حتى والله حشرج الرجل حشرجة الموت، ثم خرجت نفسه.
قال: فأنا والله شهدت جنازته يومئذ فما رأيت بالبصرة يوماً أكثر باكياً من يومئذ.
٥٧٧ - عابد آخر
عن يزيد الرقاشي قال: دخلت على عابد بالبصرة وإذا أهل بيته حوله فإذا هو مجهود قد أجهده الاجتهاد. قال: فبكى أبوه فنظر إليه ثم قال: أيها الشيخ، ما الذي يبكيك؟ قال: يا بني أبكي فقدك وما أرى من جهدك. قال: فبكت أمه. فقال: أيتها الوالدة الشفيقة الرفيقة ما الذي يبكيك؟ قال: يا بني أبكي فراقك وما أتعجل من الوحشة بعدك.
قال: فبكى أهله وصبيانه. فنظر إليهم ثم قال: يا معشر اليتامى بعد قليل، ما الذي يبكيكم؟ قالوا: يا أبانا نبكي فراقك وما نتعجل من اليتم بعدك. قال: فقال: أقعدوني أقعدوني ألا أرى كلكم يبكي لدنياي أما فيكم من يبكي لآخرتي؟ أما فيكم من يبكي لما يلقاه في التراب وجهي؟ أما فيكم من يبكي لمساءلة منكر ونكير وإياي؟ أما فيكم من يبكي لوقوفي بين يدي الله ربي؟ قال: ثم صرخ صرخة فمات.
٥٧٨ - عابد آخر
عبد الواحد بن زيد قال: خرجت إلى ناحية الحربية فإذا إنسان أسود مجذوم قد تقطعت كل جارحة له بالجذام وعمي وأقعد وإذا صبيان يرمونه بالحجارة حتى دموا وجهه. فرأيته يحرك شفتيه فدنوت منه لأسمع ما يقول فإذا هو يقول: يا سيدي إنك لتعلم أنك لو قرضت لحمي بالمقاريض ونشرت عظامي بالمناشير ما ازددت لك إلا حباً فاصنع بي ما شئت.
٥٧٩ - عابد آخر
فضيل أبو حاتم قال: لما كان حريق عرماز، كان رجل في خص له يسف خوصاً، والنار قد أحدقت به فلم يضره. فقيل له في ذلك فقال: إني عزمت على رب النار أن لا يحرقني بالنار. قيل له فاعزم عليه أن يطفئها. قال: ففعل. فلم تلبث النار أن طفئت.