عن صالح المري قال: قدم علينا ابن السماك مرة فقال لي: أرني بعض عجائب عبادكم فذهبت به إلى رجل في بعض الأحياء في خص له فاستأذنا عليه فدخلنا، فإذا رجل يعمل خوصاً له فقرأت {إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} غافر فشهق الرجل فإذا هو قد يبس مغشياً عليه.
فخرجنا من عنده وتركناه على حاله وذهبنا إلى آخر فاستأذنا عليه فقال: ادخلوا إن لم تشغلونا عن ربنا. فدخلنا فإذا رجل جالس في مصلى له فقرأت:{ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} إبراهيم فشهق شهقة بدر الدم من منخريه ثم جعل يتشحط في دمه حتى يبس، فخرجنا من عنده وتركناه على حاله، حتى أدرته على ستة أنفس، كل نخرج من عنده وهو على هذه الحالة.
ثم أتيت به السابع فاستأذنت فإذا امرأة له من وراء الخص تقول: ادخلوا. فدخلنا فإذا شيخ فان جالس في مصلاة فسلمنا فلم يعقل سلامنا. فقلت بصوت عال: إن للخلق غداً مقاماً. فقال الشيخ بين يدي من ويحك؟ ثم بقي مبهوتاً فاتحاً فاه شاخصاً بصره يصيح بصوت له ضعيف حتى انقطع. فقالت امرأته: اخرجوا عنه فإنكم ليس تنتفعون به الساعة.
فلما كان بعد ذلك سألت عن القوم فإذا ثلاثة قد أفاقوا وثلاثة قد لحقوا بالله عز وجل، وأما الشيخ فإنه مكث ثلاثة أيام على حالته مبهوتاً متحيراً لا يؤدي فرضاً فلما كان بعد ثالثة عقل.
٥٨١ - عابدان
ابن سماك قال: دخلت البصرة فقلت لرجل كنت أعرفه دلني على عبادكم. فأدخلني على رجل عليه لباس الشعر، طويل الصمت لا يرفع رأسه إلى أحد. قال فجعلت أستنطقه الكلام فلا يكلمني. فخرجت من عنده فقال لي صاحبي: ههنا ابن عجوز هل لك فيه؟ قال: فدخلنا عليه فقالت العجوز: لا تذكروا لابني شيئاً من ذكر جنة ولا نار فتقتلوه علي فإنه ليس لي غيره، قال: فدخلنا على شاب عليه من اللباس نحو مما على صاحبه منكس الرأس طويل الصمت فرفع رأسه فنظر إلينا ثم قال: أما إن للناس موقفاً لا بد أن يقفوه قال: فقلت بين يدي من رحمك الله؟ قال: فشهق شهقة فمات، قال ابن السماك فجاءت العجوز فقالت: قتلتم ولدي. قال: فكنت فيمن صلى عليه.