ودخلت عليها وهي جالسة على قطعة بوري خلق فتكلم رجل عندها بشيء فجعلت أسمع وقع دموعها على البوري مثل الوكف، ثم اضطربت وصاحت فقمنا وخرجنا.
مسمع بن عاصم ورياح القيسي قالا: شهدنا رابعة وقد أتاها رجل بأربعين ديناراً فقال لها: تستعينين بها على بعض حوائجك. فبكت ثم رفعت رأسها إلى السماء فقال: هو يعلم أني أستحيي منه أن أسأله الدنيا وهو يملكها، فكيف أريد أن آخذها ممن لا يملكها؟.
محمد بن عمرو قال: دخلت على رابعة وكانت عجوزاً كبيرة بنت ثمانين سنة كأنه الشن تكاد تسقط ورأيت في بيتها كراخة بواري ومشجب قصب فارسي طوله من الأرض قدر ذراعين، وستر البيت جلد وربما كان بورياً، وحب وكو ولبد هو فراشها وهو مصلاها. وكان لها مشجب من قصب عليه أكفانها وكانت إذا ذكرت الموت انتفضت وأصابتها رعدة وإذا مرت بقوم عرفوا فيها العبادة.
وقال لها رجل: ادعي، فالتصقت بالحائط وقالت: من أنا يرحمك الله؟ أطع ربك وادعه فإنه يجيب المضطرين.
سجف بن منظور قال: دخلت على رابعة وهي ساجدة فلما أحست بمكاني رفعت رأسها فإذا موضع سجودها كهيئة الماء المستنقع من دموعها. فسلمت فأقبلت علي فقالت: يا بني ألك حاجة؟ فقلت: جئت لأسلم عليك، قال: فبكت وقالت: سترك اللهم سترك ودعت بدعوات ثم قامت إلى الصلاة وانصرفت.
العباس بن الوليد قال: قالت رابعة: أستغفر الله من قلة صدقي في قولي، أستغفر الله.
أزهر بن مروان قال: دخل على رابعة رياح القيسي، وصالح بن عبد الجليل وكلاب، فتذاكروا الدنيا فأقبلوا يذمونها فقالت رابعة: إني لأرى الدنيا بترابيعها في قلوبكم. قالوا: ومن أين توهمت علينا؟ قالت: إنكم نظرتم إلى أقرب الأشياء من قلوبكم فتكلمتم فيه.
أبو جعفر المديني، عن شيخ من قريش قال: قيل لرابعة: هل عملت عملاً ترين أنه يقبل منك؟ قالت: إن كان فمخافتي أن يرد علي.
جعفر بن سليمان قال: أخذ بيدي سفيان الثوري وقال: مر بنا إلى المؤدبة التي لا أجد من أستريح إليه إذا فارقتها. فلما دخلنا عليها رفع سفيان يده وقال: اللهم إني أسألك السلامة فبكت رابعة. فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: أنت عرضتني للبكاء. فقال: وكيف؟ قالت: أما علمت أن السلامة من الدنيا ترك ما فيها فكيف وأنت متلطخ بها؟.