للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الثوري بين يدي رابعة: واحزناه، فقالت: لا تكذب. قل: واقلة حزناه، لو كنت محزوناً ما هناك العيش.

جعفر بن سليمان قال: سمعت رابعة تقول لسفيان: إنما أنت أيام معدودة، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك، ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل وأنت تعلم، فاعمل.

عبيس بن مرحوم العطار قال: حدثتني عبدة بنت أبي شوال، وكانت من خيار إماء الله، وكانت تخدم رابعة. قالت: كانت رابعة تصلي الليل كله فإذا طلع الفجر هجعت في مصلاها هجعة خفيفة حتى يسفر الفجر، فكنت أسمعها تقول إذا وثبت من مرقدها ذلك وهي فزعة: يا نفس كم تنامين؟ وإلى كم تقومين؟ يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلا لصرخة يوم النشور.

قالت: فكان هذا دأبها دهرها حتى ماتت. فلما حضرتها الوفاة دعتني قالت: يا عبدة لا تؤذني بموتي أحداً وكفنيني في جبتي هذه، جبة من شعر كانت تقوم فيها إذا هدأت العيون.

قالت: فكفناها في تلك الجبة وخمار صوف كانت تلبسه.

قالت عبدة: رأيتها بعد ذلك بسنة أو نحوها في منامي عليها حلة إستبرق خضراء وخمار من سندس أخضر لم أر شيئاً قط أحسن منه. فقلت: يا رابعة: ما فعلت الجبة التي كفناك فيها والخمار الصوف؟ قالت: إنه والله نزع عني وأبدلت به هذا الذي ترينه علي. وطويت أكفاني وختم عليها ورفعت في عليين لكيل لي بها ثوابها يوم القيامة.

قالت: فقلت لها: لهذا كنت تعملين أيام الدنيا؟ قالت: وما هذا من كرامة الله عز وجل لأوليائه. قالت فقلت: فما فعلت عبدة بنت أبي كلاب؟ فقالت: هيهات هيهات، سبقتنا والله إلى الدرجات العلى. قالت قلت: وبم وقد كنت عند الناس؟ أي أكثر منها. قالت: إنها لم تكن تبالي على أي حالة أصبحت من الدنيا وأمست. قالت: فقلت: فما فعل أبو مالك؟ تعني ضبغماً. قالت: يزور الله متى شاء. قالت قلت: فما فعل بشر بن منصور؟ قالت: بخ بخ أعطي والله فوق ما كان يأمل.

قالت قلت: فمريني بأمر أتقرب به إلى الله عز وجل. قالت عليك بكثرة ذكره، أوشك أن تغتبطي بذلك في قبرك.

قلت: اقتصرت ههنا على هذا القدر من أخبار رابعة لأني قد أفردت لها كتاباً جمعت فيه كلامها وأخبارها.

<<  <  ج: ص:  >  >>