للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لي وقت فترة، فكنت أخرج كل يوم إلى شط نهر كبير كان حواليه الخوص، وكنت أقطع شيئاً من ذلك وأسفه قفافاً وأطرحه في ذلك النهر فأتسلى بذلك وكأني كنت مطالباً به، فجرى وقتي على ذلك أياماً كثيرة فتفكرت يوماً وقلت: أمضي خلف ما أطرحه من الماء من القفاف لأنظر أين تذهب فمضيت على شاطئ النهر ساعات ولم أعمل ذلك اليوم فإذا عجوز قاعدة على شط النهر تبكي، قلت: ما لك تبكين؟ فقالت: لي خمسة من الأيتام مات أبوهم فأصابني الفقر والشدة فأتيت يوماً هذا الموضع فجاء على رأس الماء قفاف من الخوص فأخذتها وبعتها وأنفقت عليهم، وأتيت اليوم الثاني والثالث والقفاف تجيء على رأس الماء فكنت آخذها وأبيعها، واليوم ما جاءت. قال إبراهيم: فرفعت يدي إلى السماء وقلت: اللهم لو علمت أن لي خمسة من العيال لزدت في العمل. وقلت للعجوز: لا تغتمي فإني الذي كنت أعمل ذلك. فمضيت معها فكانت فقيرة فقمت بأمرها وبأمر عيالها سنين. أو كما قال.

محمد بن زياد المقيم بكلواذي وكان قد بكى حتى ذهبت عيناه. قال: سألت إبراهيم الخواص عن أعجب ما رآه في البادية فقال: كنت ليلة من الليالي في البادية فنمت على حجر فإذا أنا بشيطان قد جاء وقال: قم من ها هنا. فقلت: اذهب. فقال: إني أرفسك فتهلك. فقلت: افعل ما شئت. فرفسني فوقعت رجله علي كأنها خرقة، فقال: أنت ولي الله، من أنت؟ قلت: أنا إبراهيم الخواص. قال: صدقت. ثم قال: يا إبراهيم معي حلال وحرام، فأما الحلال فرمان من الجبل المباح، وأما الحرام فحيتان، مررت على صيادين وهما يصطادان فتخاونا فأخذت الخيانة فكل أنت الحلال ودع الحرام.

حامد الأسود قال: كنت مع إبراهيم الخواص في سفر فدخلنا إلى بعض الغياض فلما أدركنا الليل إذا بالسباع قد أحاطت بنا فجزعت لرؤيتها وصعدت إلى شجرة، ثم نظرت إلى إبراهيم وقد استلقى على قفاه فأقبلت السباع تلحسه من قرنه إلى قدميه، وهو لا يتحرك. ثم أصبحنا وخرجنا إلى منزل آخر وبتنا في مسجد فرأيت بقة وقعت على وجه إبراهيم فلسعته، فقال: أخ. فقلت: يا أبا إسحاق أي شيء هذا التأوه؟ أين أنت من البارحة؟ فقال: ذاك حال كنت فيه بالله، وهذا حال أنا فيه بنفسي.

علي بن محمد الحلواني قال: كان إبراهيم الخواص جالساً في مسجد الري وعنده جماعة إذ سمع ملاهي من الجيران، فاضطرب من ذلك من كان في المسجد وقالوا: يا أبا

<<  <  ج: ص:  >  >>