الرقة في خان، فكان شاب يختلف إليه ويقوم بحوائجه ويسمع منه الحديث. قال: فقدم عبد الله الرقة مرة فلم ير ذلك الشاب وكان مستعجلاً، فخرج في النفير فلما قفل من غزوته ورجع إلى الرقة سأل عن الشاب فقالوا: إنه محبوس لدين ركبه. فقال عبد الله: وكم مبلغ دينه؟ قالوا عشرة آلاف درهم فلم يزل يستقصي حتى دل على صاحب المال فدعا به ليلاً ووزن له عشرة آلاف درهم وحلفه أن لا يخبر أحداً ما دام عبد الله حياً. وقال: إذا أصبحت فأخرج الرجل من الحبس.
وأدلج عبد الله وأخرج الفتى من الحبس، وقيل له: عبد الله بن المبارك كان ها هنا وكان يذكرك، وقد خرج. فخرج الفتى في أثره فلحقه على مرحلتين أو ثلاث من الرقة، فقال: يا فتى أين كنت؟ لم أرك في الخان؟ قال: نعم يا أبا عبد الرحمن كنت محبوساً بدين. قال: وكيف كان سبب خلاصك؟ قال: جاء رجل وقضى ديني ولم أعلم به حتى أخرجت من الحبس. فقال له عبد الله: يا فتى احمد الله على ما وفق لك من قضاء دينك. فلم يخبر ذلك الرجل أحداً إلا بعد موت عبد الله.
سلمة بن سليمان قال: جاء رجل إلى عبد الله بن المبارك فسأله أن يقضي ديناً عليه، فكتب إلى وكيل له، فلما ورد عليه الكتاب قال له الوكيل: كم الدين الذي سألت فيه عبد الله أن يقضيه عنك؟ قال: سبعمائة درهم، فكتب إلى عبد الله: إن هذا الرجل سألك أن تقضي سبعمائة درهم فكتبت له بسبعة آلاف، وقد فنيت الغلات. فكتب إليه عبد الله: إن كانت الغلات قد فنيت فإن العمر أيضاً قد فني فأجر له ما سبق به قلمي.
وقد رويت لنا هذه الحكاية أبسط من هذا. فأخبرنا المحمدان ابن ناصر وابن عبد الباقي قالا: أنبأ أحمد قال أنبأ أحمد بن عبد الله قال نبأ أبي قال: نبأ محمد بن أحمد بن إبراهيم قال: نبأ علي بن محمد بن روح قال: سمعت المسيب بن واضح يقول: كنت عند عبد الله بن المبارك جالساً إذ كلموه في رجل يقضي عنه سبعمائة درهم ديناً. فكتب إلى وكيله: إذا جاءك كتابي هاذ وقرأته فادفع إلى صاحب هذا الكتاب سبعة آلاف درهم. فلما ورد الكتاب على الوكيل وقرأه التفت إلى الرجل فقال: أي شيء قضيتك؟ فقال: كلموه أن يقضي عني سبعمائة درهم ديناً. فقال: قد أصبت في الكتاب غلطاً، ولكن اقعد موضعك حتى أجري عليك من مالي وأبعث إلى صاحبي فأوامره فيك.