قل له: يكون شهريزاً فجئته به. فقال الشيخ: قل له يأكل معنا. فقال: كل معنا فأكلت معهم. فلما أكلنا أخذ ما فضل في طرف العباء ومضى، فخرج خالي معه يشيعه إلى حرب. فلما رجع قال لي: يا بني. تدري من هذا؟ قلت لا، قال: هذا فتح الموصلي.
محمد بن الصلت قال: كنت عند بشر بن الحارث فجاء رجل فسلم على بشر، فقام بشر غليه فقمت لقيامه، فمنعني. فلما سكن الرجل أخرج بشر درهماً صحيحاً وقال: أخرج واشتر خبزاً وزبداً وتمر برني. قال: فخرجت واشتريت وحملته فوضعته بين يديه، فأكل الرجل وحمل الباقي وقام فخرج، فلما خرج قال لي بشر: يا بني تدري لم منعتك عن القيام له؟ قلت لا. قال: لأنه لم يكن بينك وبينه معرفة فكان قيامك لقيامي فأردت أن لا يكون قيامك إلا لله خالصاً، وتدري لماذا دفعت إليك الدرهم وقلت اشتر كذا وكذا؟ قلت: لا. قال: إن طيب الطعام يستخرج خالص الشكر لله تعالى، وتدري لم حمل الباقي؟ قلت لا - قال: عندهم إذا صح التوكل لم يضر الحمل، وهذا فتح الموصلي جاءنا زائراً.
عن أحمد بن أبي الحواري أنه قال: سمعت شيخاً من أصحاب فتح الموصلي قال: كانت لفتح الموصلي بضاعة عند أخ له يعمل بها في البر والبحر، فبعث فتح فاستردها وأنفقها وقال: رأيت قلبي يميل إليها فكرهت أن تكون ثقتي سواه.
إبراهيم بن موسى قال: رأيت فتحاً الموصلي يوم عيد وقد رأى على الناس الطيالس والعمائم. قال: فقال لي: يا إبراهيم إنما ترى ثوباً وجسداً يأكله الدود غداً، هؤلاء أنفقوا خزائنهم على بطونهم وظهورهم ويقدمون على ربهم مفاليس.
عبد الله بن الفرج قال: قال فتح الموصلي: كبرت على خطاياي وكثرت حتى لقد آيستني من عظيم عفو الله عز وجل قال: ثم قال: وإني آيس منك وأنت الذي جدت على السحرة بعد أن غدوا كفرة فجرة؟ وإني آيس منك وأنت ولي كل نعمة وأني آيس منك وأنت المؤمل لكل فضل ومعروف، وأني آيس منك وأنت المغيث عند الكرب ولم يزل يقول: آيس منك، حتى سقط مغشياً عليه.
عمران بن موسى الطرسوسي قال: مر فتح الموصل بصبيين مع أحدهما كسرة عليها عسل ومع الآخر كسرة عليها كامخ. فقال الذي معه الكامخ للذي معه العسل: أطعمني من خبزك قال: إن كنت كلباً لي أطعمتك. قال: نعم. فأطعمه من خبزه وجعل في فمه خيطاً وجعل يقوده فقال فتح: لو رضيت بخبزك ما كنت كلباً لهذا.