يا أحمد أدخلت يدي في الإناء فعارضني معارض من سري: هب أنك غسلت بالماء ما ظهر منك فبماذا تغسل قلبك؟ فبقيت متفكراً حتى قلت بالغموم والأحزان فيما يفوتني من الأنس بالله عز وجل.
أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: ما يسر العاقل أن الدنيا له منذ خلقت إلى أن تفنى، يتنعم فيها حلالاً لا يسأل عنه يوم القيامة وأنه حجب عن الله عز وجل ساعة واحدة، فكيف بمن حجب أيام الدنيا وأيام الآخرة؟.
أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: ربما مثل لي رأسي بين جبلين من نار، وربما رأيتني أهوي فيها حتى أبلغ قرارها وكيف تهنئ الدنيا من كانت هذه صفته؟ وسمعته يقول: إنما ارتفعوا بالخوف، فإن ضيعوا نزلوا وينبغي لعاقل وإن بلغ أعلى درجة أن يفزع قلبه بأسفل درجة من ذكر الموت والمقابر والبعث.
وقلت لأبي سليمان إني قد غبطت بني إسرائيل. قال: بأي شيء ويحك؟ قلت: بثمانمائة سنة بأربعمائة ينن حتى يصيروا كالشنان البالية وكالأوتار. قال: ما ظننت إلا أنك قد جئت بشيء، لا والله لا يريد الله عز وجل منا أن تيبس جلودنا على عظامنا ولا يريد منا إلا صدق النية فيما عنده، هذا إذا صدق في عشرة أيام نال ما نال ذاك في عمره.
وسمعت أبا سليمان، وذكر له رجل، فقال: لقد وقع على قلبي ولكن صف لي حاله. فقلت: إنه نشأ في الصوف والقرآن وأكل الملة. فقال: قد كنت أحب أن يكون ممن وجد طعم الدنيا ثم تركها، لأنه إذا وجد طعمها ثم تركها لم يغتر بها، وإذا كان ممن لم يجد طعمها لم آمن عليه إذا وجد طعمها أن يرجع إليها.
وسمعت أبا سليمان يقول: لأهل الطاعة في ليلهم ألذ من أهل اللهو بلهوهم، ولولا اللل ما أحببت البقاء في الدنيا.
وسمعت أبا سليمان يقول: لو لم يبك العاقل فيما بقي من عمره إلا على لذة ما فاته من الطاعة فيما مضى، كان ينبغي له أن يبكيه حتى يموت.
أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: ما عمل داود عليه السلام عملاً قط كان أنفع له من خطيئته، ما زال منها خائفاً هارباً حتى لحق بربه عز وجل.
قال: ورأيت أبا سليمان أراد أن يلبي فغشي عليه. فلما أفاق قال: يا أحمد بلغني أن الرجل إذا حج من غير حله فقال: لبيك اللهم لبيك، قال له الرب: لا لبيك ولا سعديك حتى ترد ما في يديك، فما يؤمنني أن يقال لي هذا؟ ثم لبى.