بصحبة من تذكرك الله عز وجل رؤيته، وتقع هيبته على باطنك، ويزيد في عملك منطقة، ويزهدك في الدنيا عمله، ولا تعصي الله ما دمت في قربه، يعظك بلسان فعله، ولا يعظك بلسان قوله.
وسمعت ذا النون يقول سقم الجسد في الأوجاع، وسقم القلوب في الذنوب، فكما لا يجد الجسد لذة الطعام عند سقمه، كذلك لا يجد القلب حلاوة العبادة مع الذنوب. وسمعته يقول: من لم يعرف قدر النعم سلبها من حيث لا يعلم.
يوسف بن الحسين قال: سمعت ذا النون يقول: ما خلع الله عز وجل على عبد من عبيده خلعة من العقل، ولا قلده قلادة أجمل من العلم، ولا زينه بزينة أفضل من الحلم، وكمال ذلك كله التقوى.
عبد القدوس بن عبد الرحمن قال: سمعت ذا النون يقول: إلهي لو أصبت موئلاً في الشدائد غيرك، أو ملجأ في النوازل سواك لحق لي أن لا أعرض إليه بوجهي عنك، ولا أختاره عليك لقديم إحسانك إلي وحديثه، وظاهر منتك علي وباطنها، ولو تقطعت في البلاء إرباً إرباً أو انصبت علي الشدائد صباً صباً ولا أجد مشتكى لبثي غيرك ولا مفرجاً لما بي سواك، فيا وارث الأرض ومن عليها، ويا باعث جميع من فيها ورث آملي فيك مني أملي، وبلغ همتي فيك منتهى وسائلي.
محمد بن أحمد بن سلمة النيسابوري قال: سمعت ذا النون يقول: احذر أن تنقطع عنه فتكون مخدوعاً. قلت: فكيف ذلك؟ قال: لأن المخدوع من ينظر إلى عطاياه فينقطع عن النظر إليه بالنظر إلى عطاياه. ثم قال: تعلق الناس بالأسباب تعلق الصديقون بولي الأسباب.
ثم قال: علامة تعلق قلوبهم بالعطايا طلبهم منه العطايا، ومن علامة تعلق قلب الصديق بولي العطايا انصباب العطايا عليه وشغله عنها به. ثم قال: ليكن اعتمادك على الله عز وجل في الحال، لا على الحال مع الله. ثم قال: اعقل فإن هذا من صفة التوحيد.
محمد بن أحمد بن سلمة قال: سمعت ذا النون يقول، وقد سألته عند الفراق أن يوصيني فقال: لا يشغلنك عيوب الناس عن عيب نفسك، لست عليهم برقيب. ثم قال: إن أحب عباد الله إلى الله عز وجل أعقلهم عنه، وإنما يستدل على تمام عقل الرجل وتواضعه في عقله بحسن استماعه للمحدث إن كان به عالماً وسرعة قبوله للحق وإن كان ممن هو دونه، وإقراره على نفسه بالخطأ إذا جاء منه.