أسألك العفو تذللاً فأعطنيه تفضلاً. وسمعته يقول: من المحال أن يحسن منك الظن ولا يحسن منه المن.
أبو عثمان، سعيد بن عثمان الخياط، يقول: سمعت ذا النون يقول: لم أر شيئاً أبعث لطلب الإخلاص مثل الوحدة، لأنه إذا خلا لم ير غير الله، فإذا لم ير غير الله لم يحركه إلا حكم الله، ومن أحب الخلوة فقد تعلق بعمود الإخلاص.
قال الفتح بن شخرف: دخلت على ذي النون عند موته فقلت له: كيف تجدك؟ فقال:
أموت وما ماتت إليك صبابتي ... ولا رويت من صدق حبك أوطاري
مناي المنى كل المنى أنت لي منى ... وأنت الغني كل الغنى عند إقتاري
وأنت مدى سؤلي وغاية رغبتي ... وموضع آمالي ومكنون إضماري
تضمن قلبي منك ما لك قد بدا ... وإن طال سري فيك أو طال إظهاري
وبين ضلوعي منك ما لا أبثه ... ولم أبد باديه لأهل ولا جار
سرائر لا يخفى عليك خفيها ... وإن لم أبح حتى التنادي بأسراري
فهب لي نسيماً منك أحيا بروحه ... وجدلي بيسر منك يطر إعساري
أنرت الهدى للمهتدين ولم يكن ... من العلم في أيديهم عشر معشار
وعلمتهم علماً فباتوا بنوره ... وبانت لهم منه معالم أسرار
معاينة للغيب حتى كأنها ... لما غاب عنها منه حاضرة الدار
وأبصارهم محجوبة وقلوبهم ... تراك بأوهام حديدات أبصار
جمعت لهم الهم المفرق والتقى ... على قدر والهم يجري بمقدار
ألست دليل القوم إن هم تحيروا؟ ... وعصمة من أمسى على جرف هار
قال الفتح بن شخرف: فلما ثقل قلت له: كيف تجدك؟ فقال:
ومالي سوى الإطراق والصمت حيلة ... ووضعي على خدي يدي عند تذكاري
وإن طرقتني عبرة بعد عبرة ... تجرعتها حتى إذا عيل تصباري
أفضت دموعاً جمة مستهلة ... أطفي بها حراً تضمن أسراري
فيا منتهى سؤل المحبين كلهم ... أبحني محل الأنس مع كل زوار
ولست أبالي فائتاً بعد فائت ... إذا كنت في الدارين يا واحدي جاري
أسند ذو النون أحاديث كثيرة من مالك والليث بن سعد وسفيان بن عيينة والفضيل