فيما حكم. قلت: فما معنى الرضاء؟ قال: سرور القلب بمر القضاء؟ ثم قال: لا تنم إلا نوم يقظان، وكيف يأمن من لم يأته الأمان؟ وبادر قبل الفوت، واستعن على تصفية الطعمة بالقلة والتمس الصمت بقلة الخلطاء، واتبع قول الرسول صلى الله عليه وسلم وقول السلف، ولا تميلن إلى محدثات الأمور، فكل محدثة بدعة، واعلم أن الله يراك فاتقه، وقم له بالقسط على نفسك، وتفرد بالفرد إذ كنت له عبداً، وتجرد من الهموم الشاغلة، واجعل الهم واحداً تروح في العاجلة والآجلة.
٨٩٨ - عابد آخر في جبل
بلغنا عن بعض السلف أنه قال: رأيت في بعض الجبال شاباً أصفر اللون غائر العينين، مرتعش الأعضاء، لا يستقر على الأرض، كأن به وخز الأسنة، ودموعه تتحادر. فقلت له: من أنت؟ فقال: آبق من مولاه. قلت: فتعود وتعتذر. فقال: العذر يحتاج إلى إقامة حجة فكيف يعتذر المقصر؟ فقلت: تتعلق بمن يشفع فيك. فقال: كل الشفعاء يخافون منه؟ قلت: فمن هو قال: مولاي رباني صغيراً فعصيته كبيراً، شرط لي فوفاني، وضمن لي فأعطاني، فخنته في ضماني، وعصيته وهو يراني، فواحيائي من حسن صنعه وقبيح فعلي. فقلت: أين هذا المولى؟ فقال: أين توجهت لقيت أعوانه، وأيت استقرت ف قدمك ففي داره. فقلت: ارفق بنفسك فربما أحرقك هذا الخوف. فقال: الحريق بنار خوفه - لعله يرضى - أحق وأولى. ثم أنشأ يقول:
لم يبق خوفك لي دمعاً ولا جلداً ... لا شك أني بهذا ميت كمدا
عبد كئيب أتى بالعجز معترفاً ... وناره تحرق الأحشاء والكبدا
ضاقت مساكنه في الأرض من وجل ... فهب لي منك لطفاً إن لقيت غدا
فقلت: يا غلام، الأمر أسهل مما تظن. فقال: هذا من فتنة البطالين، هبه تجاوز وعفا، أين آثار الإخلاص والصفاء؟ ثم صاح صيحة، فخرجت عجوز من كهف الجبل، عليها ثياب رثة. فقالت: من أعان على البائس الحيران؟ فقلت: يا أمة الله دعوته إلى الرجاء؟ فقالت: قد دعوته إلى ذلك فقال: الرجاء بلا صفاء شرك. قلت: من أنت منه؟ قالت: والدته. فقلت: أقيم عندك أعينك عليه؟ فقالت: خله ذليلاً بين يدي قاتله عساه يراه بعين معين فيرحمه. فلم أدر مما ذا أعجب؟ من صدق الغلام في خوفه أو من قول العجوز وصدقها. انتهى ذكر عباد الجبال بحمد الله ومنه.