بك أرض الريف والخصب؟ قال: فبكى ثم قال: إنما الريف والخصب حيث يطاع الله عز وجل، وأنا شيخ كبير أموت الآن، لا حاجة لي بالناس.
٨٩٦ - عابد آخر في جبل
أبو حفص عمر بن عبد الله المؤذن قال: قال قاسم الجرعن: خرجت حاجاً على طريق الشام، فبينا أنا أسير في الليل إذ غلطت الطريق فسمعت صيحة فإذا أنا بجماعة قد مسهم من الغلط مثل الذي مسني، وقد وقفوا على رجل من المتعبدين في جبل وهو يبكي ويقول في بكائه: أترى بكائي نافعي عندك ومنقذ رقبتي من حكمك؟ أتراك آخذاً من نفسي بحقك وموبخها على رؤوس الأشهاد بما ضيعت من أمرك؟ ثم صاح: آوه لكشف سترك عني، آوه لوقوفي بين يديك يا سيداه، فقال له بعض القوم: إنا غلطنا الطريق. فقال: وأنا أيضاً قد غلطت الطريق، فمن لي ولكم بالاستقامة على وجهها؟ ثم قال: يا دليل الأدلاء دلني ودلهم ولا تحيرني وإياهم.
قال: فكشف لنا عن الطريق فسلكناها وتركناه واقفاً في صومعته.
٨٩٧ - عابد آخر في جبل
بلغنا عن أبي الحارث أحمد بن الحارث الأولاشي أنه قال: رأيت رجلاً على رأس جبل كأنه شن بال شاخصاً ببصره نحو السماء لا يفتر عن الذكر. فسألته المقام معه. فقال: إن أطقت ما طوقت فأقم وإلا فامض عني، قلت: وما هو؟ قال: يكون الذهب والفضة عندك كالحصى والمدر، والسباع والهوام كالطير والأنعام، وخوفك من جنسك كخوفك من السباع، وخوفك من صحبتهم على دينك كخوفك من الشطان، فلعلك تنال ما تريد، ومتى كان الذهب والفضة أكبر في قلبك فإنك ستميل إلى الأكبر، ومتى هبت السباع أوشك أن تبعد إلى الأمن، ومتى أنست بالمخلوقين أوشك أن تهرب من الوحشة. وثلاثة أشياء هن تمام الأمر: أن تعلم أنك مبتلي لا محالة، وأن لك رزقاً مقسوماً وكذلك أجل معلوم، والثالث: أن تقصر الأمل، فهنالك لا تبالي أين حللت من البلاد ولا من شاهدت من العباد فتقدم إن شئت على بصيرة وإلا فتأخر على علم بضعف وعجز. قلت: صف لي ما يزيد في صبري. قال: تعلم أن الله عز وجل ناظر إليك، قد روي في بعض الأخبار: بعيني ما يتحمل المتحملون من أجلي، وما يكابد المكابدون في طلب مرضاتي فإذا علمت أن صبرك يرضي مولاك صبرت. قلت: فما السبيل إلى الرضاء؟ قال: علم القلب بأن المولى عادل في قضائه غير متهم