أحمد بن أبي الحواري قال: حججت أنا وسليمان فبينا نحن نسير إذ سقطت السطيحة مني، وكان برد عظيم. فلما افتقدت السطيحة قلت: بقينا بلا ماء. فأخبرت أبا سليمان فقال: سلم وصل على محمد صلى الله عليه وسلم وقل: يا راد الضالة ويا هادياً من الضلالة رد الضالة فإذا بواحد ينادي: من ذهبت له سطيحة فأخذتها منه فقال لي أبو سليمان: لا يتركنا بلا ماء. فبينا نحن نسير إذا برجل عليه طمران رثان وقد تدرعنا بالفراء من شدة البرد، وهو يرشح عرقاً. فقال له أبو سليمان: ألا ندثرك ببعض ما معنا؟ فقال الرجل: يا داراني الحر والبرد خلقان لله تعالى إن أمرهما أن يغشياني أصاباني وإن أمرهما أن يتركاني تركاني، يا داراني تصف الزهد وتخاف من البرد؟ أنا أسيح في هذه البرية منذ ثلاثين سنة ما انتفضت ولا ارتعدت، يلبسني في البرد فيحا من محبته، ويلبسني في الصيف مذاق برد محبته. ثم ولى وهو يقول: يا داراني تبكي وتصيح وتستريح إلى الترويح؟ فكان أبو سليمان يقول: لم يعرفني غيره.
٩١٦ - عابد آخر
قال الأصمعي: حدثنا شبيب بن شيبة قال: كنا بطريق مكة وبين أيدينا سفرة لنا نتغدى في يوم قائظ، فوقف علينا أعرابي ومعه جارية له زنجية. فقال: يا قوم أفيكم أحد يقرأ كلام الله عز وجل حتى يكتب لنا كتاباً؟ قال: قلت له: أصب من غدائنا حتى نكتب حتى نكتب لك ما تريد. قال: إني صائم. فعجبنا من صومه في البرية، فلما فرغنا من غدائنا دعونا به فقلنا: ما تريد؟ فقال: أيها الرجل إن الدنيا قد كانت ولم أكن فيها، وستكون ولا أكون فيها. وإني أردت أن أعتق جاريتي هذه لوجه الله عز وجل ثم ليوم العقبة، تدري ما يوم العقبة؟ قول الله تعالى:{فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ، فَكُّ رَقَبَةٍ} البلد اكتب ما أقول لك، ولا تزيدن علي حرفاً: هذه فلانة خادم فلان قد أعتقها لوجه الله عز وجل ليوم العقبة.
قال شبيب: فقدمت البصرة وأتيت بغداد فحدثت بهذا الحديث المهدي فقال: مائة نسمة تعتق على عهد الأعرابي.
٩١٧ - عابد آخر
بهيم العجلي قال: ركب معنا شاب من بني مرة من أهل البدو في البحر، فجعل يبكي الليل والنهار. فعاتبه أهل المركب على ذلك وقالوا: إرفق بنفسك قليلاً. فقال: إن أقل ما ينبغي أن