إبراهيم بن مسلم المخزومي قال: وقفت امرأة متعبدة في جوف الليل فتعلقت بأستار الكعبة: ثم بكت وقالت: يا كريم الصحبة، ويا حسن المعونة، أتيتك من شقة بعيدة متعرضة لمعروفك الذي وسع خلقك، فأنلني من معروفك معروفاً تغنيني به عن معروف من سواك يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة. قال: ثم صرخت صرخة سقطت لوجهها فحملت مغشياً عليها.
٩٧٣ - عابدة أخرى
عن سعيد الأزرق الباهلي أنه قال: دخلت الطواف ليلاً، فبينا أنا أطوف وإذا بامرأة في الحجر ملتزمة للبيت قد علا نشيجها، فدنوت منها وهي تقول: يا من لا تراه العيون ولا تخالطه الأوهام والظنون، ولا تغيره الحوادث ولا يصفه الواصفون، يا عالماً بمثاقيل الجبال ومكاييل البحار وعدد قطر الأمطار، وورق الأشجار، وعدد ما أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار، لا تواري منه سماء سماء، ولا أرض أرضاً، ولا جبل ما في وعر، ولا بحر ما في قعره، أسألك أن تجعل خير عمري آخره، وخير عملي خواتمه، وخير أيامي يوم ألقاك، وخير ساعاتي مفارقة الأحياء من دار الفناء إلى دار البقاء التي تكرم فيها من أحببت من أوليائك، وتهين فيها من أبغضت من أعدائك أسألك إلهي عافية جامعة لخير الدنيا والآخرة منا منك علي وتطولاً يا ذا الجلال والإكرام. ثم صرخت وغشي عليها.
٩٧٤ - عابدة أخرى
محمد بن زيد قال: سمعت ذا النون يقول: خرجت حاجاً إلى بيت الله الحرام فبينا أنا في الطواف إذ أنا بشخص متعلق بأستار الكعبة يبكي ويقول في بكائه: كتمت بلائي من غيرك، وبحت بسري إليك، واشتغلت بك عمن سواك، عجبت لمن عرفك كيف يسلو عنك؟ ولمن ذاق حبك كيف يصبر عنك؟ ثم أقبل على نفسه فقال: أمهلك فما ارعويت، وستر عليك فما استحييت، وسلبك حلاوة المناجاة فما باليت، ثم قال: عزيزي ما لي إذا قمت بين يديك ألقيت علي النعاس ومنعتني حلاوة الخدمة؟ لم قرة عيني لمه؟ ثم أنشأ يقول:
روعت قلبي بالفراق فلم أجد ... شيئاً أمر من الفراق وأوجعا
حسب الفراق بأن يفرق بيننا ... ولطالما قد كنت منه مفزعا
قال: فلم أتمالك أن أتيت الكعبة مستخفياً فلما أحس بي تجلل بخمار كان عليه ثم قال: يا ذا النون غض بصرك فإني حرام. فعلمت أنها امرأة فقلت: والله قد شغلني قولك عن كثير