والثاني: أنه قصد ما ينقل عن الرجل المذكور، ولم ينظر هل يليق بالكتاب أم لا، مِثْلَ ما ملأ ترجمة مجاهد بقطعة من تفسيره، وترجمة عكرمة بقطعة من تفسيره، وترجمة كعب الأحبار بقطعة من التوراة وليس هذا بموضع هذه الأشياء.
والثالث: أنه أعاد أخباراً كثيرة مثل ما ذكر في ترجمة الحسن البصري من كلامه، ثم أعاده في تراجم أصحابه الذين يَروْنَ كلامه، وذكر في ترجمة أبي سليمان الداراني من كلامه، وأعاده في ترجمة أحمد بن أبي الحواري بروايته عن أبي سليمان.
والرابع: أنه أطال بذكر الأحاديث المرفوعة التي يرويها الشخص الواحد فينسى ما وُضع له ذِكر الرجل من بيان آدابه وأخلاقه، كما ذكر شُعبة وسفيان ومالك وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وغيرهم، فإنه ذكر عن كل واحد من هؤلاء من الأحاديث التي يرويها مرفوعة جملة كثيرة، ومعلوم أن مثل كتابه الذي يقصد به مداواة القلوب إنما وُضع لبيان أخلاق القوم لا الأحاديث، ولكل مقام مقال، ثم لو كانت الأحاديث التي ذكرها من أحاديث الزهد اللائقة بالكتاب لَقَرُبَ الأمر، ولكنها من كل فن، وعمومها من أحاديث الأحكام والضعاف. أو لو كان اقتصر على الغريب من روايات المكثرين، أو رخم ما يرويه المقلون كما روي عن الجنيد أنه لم يُسنِد إلا حديثاً واحداً لكان ذِكْرُ مثلِ هذا حسناً لكنه أمعن فيما لا يتعلق ذكره بالكتاب.
والخامس: أنه ذكر في كتابه أحاديث كثيرةً باطلة وموضوعة، فقصد بذكرها تكثير حديثه وتنفيقُ رواياته، ولم يبين أنها موضوعة ومعلوم أن جمهور المائلين إلى التبرّر يخفى عليهم الصحيح من غيره، فَسَتْرُ ذلك عنهم غشٌ من الطبيب لا نصح.
والسادس: السجع البارد في التراجم، الذي لا يكاد يحتوي على معنى صحيح خصوصاً في ذكر حدود التصوف.
والسابع: إضافة التصوف إلى كبار السادات كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن وشُريحْ وسفيان وشعبة ومالك والشافعي وأحمد وليس عند هؤلاء القوم خَبَر من التصوف.
فإن قال قائل: إنما عنى به الزهد في الدنيا وهؤلاء زهاد،
قلنا: التصوف مذهب معروف عند أصحابه لا يقتصر فيه على الزهد بل له صفات وأخلاق يعرفها أربابه ولولا أنه أمر زِيدَ على الزهد ما نُقل عن بعض هؤلاء المذكورين ذمّه، فانه قد رَوى أبو نُعيم في ترجمة الشافعي رحمة الله عليه أنه قال: "التصوف مبني على